القصة القصيرة جدا

العملية

غدا موعد اجراء العملية الجراحية , نسبة نجاحها ضئيلة أكد لي الطبيب أن الاجهزة الطبية متطـورة الان ,حاول أن يزرع في نفسي بعض الطمأنينة , داعب أرنبـــة أنفي و قال:
– كل شيئ بسيط يارجل,
أغلق الظرف ثم سلمني اياه , مددت يدي ببطء , كأنما كانت كل يد تبطء عسى الاخـــرى أن تسبقها, الضرف شديد البياض ذكرني بلون الكفن, ضغطت عليه بأصابع مرتجفة كأنمـا لأتأكد أنه خال من أية ورقة, أو كأني بأصابعي تتحسس مادته علها قطعة كفن.
أصابتي قشعريرة بدا لي كل شيء ابيض , مئزر الطبيب , سرير الفحص , الكرسي الـــذي أجلس عليه , جدران العيادة , بـلاط الارضية ,
– تشجع , لا شيء يدعو للقلق
– دكتور , هل يمكن تأخير موعد العملية ؟
– من الافضل اجراؤها في هذا الفصل بالذات , ثم لا تنس أن امكانية استقبالك بالمستـشفى ضئيلة جدا.
– نعم أعلم أنه لولا اتصالك الشخصي بالجراح لما أمكن تحديد هذا الموعد
– لا تنس أن المرض يمكن أن يستفحل أكثر , فتقل حينئذ احتمالات التغلب عليه , اذ يكتـــسب مقاومة أكبر.
كنت أستعيد حواري مع الطبيب لما رن جرس الباب , نظرت من البؤرة الزجاجية في أعلــى الباب ثـم فتحته , لقد حضر بعض أقاربي , دخلنا معا الى بهـو الاستقبال بعد تناول القهوة راح كل واحد منهم يستحضر حالات سمــع عنها أو شاهدها ممن أجريت لهم عمليات جراحية فأضحوا أحسن مما كانوا عليه , قارب سردها الساعتين و لم تنته , لعل بعضهم ينشؤها من خياله بغرض مواساتي, عمي مــــثلا يؤكد على أن أحد جيران أصهاره ولد برئة واحدة و لما بلغ سن العشرين زرعت له رئة أخرى و هو الان يتنفس مثلنا جميعا بل أصبح يستطيع البقاء تحت الماء لمدة عشر دقائق.
ما أصعب أن يجد الانسان نفسه موضع مواساة, هل يلتم الشمل نفسه ليتناول الاحاديث نفسها ان أنا أصبحت في عدد الاموات؟ , لا شك أنهم حينها سيضيفون على أحاديثهم بعض الخشوع , فالمجلـس سيكون مهيبا , حتى و هم يعددون مناقبي سيذكرون الخير منها فقط مع اضفاء طابع الجلل عليها , حـتى يظن الـسامع ممن لا يعرفونني أني وحيد زمني و أنه لم يطأ الارض مذ خلق أدم الى يومهم ذاك أحسن مـني سلوكا و لا أجرأ مني في الخير و لا أصدق و لا أكرم , قد يأخذ أحدهم مذكراتي يضيـف عليها ما يشـاء و ينقص منها ما يشاء ليدعي بعدها أني شاهد القرن , بل ربما نبي أهمله قومه..
رن جرس الهاتف العبارات ممزوجة بالبكاء:
– لقد توفي ابن عمتك.
أخرتني مراسيم الدفن عن موعد اجراء العملية , كما أخذ بي الارهاق و الحزن , ربما الحق به قريـبا كنا نعاني من المرض نفسه…
– الو
– نعم أنا هو يا دكتور ..لقد فاتني موعد العملية..
– ماذا؟..خطأ في التحاليل ..لن أجري..لن أجري أية عملية..
– الى اللقاء يادكتور.
هممت بوضع السماعة في انحناء , تسارعت قطرات من الدمع محدثة صوتا على طاولة الهاتف , يتناهى الى أذني حادا رغم زغردات أمي التي ملأت فضاء بهو الاستقبال.

السابق
أحلامه
التالي
عود حنطة

اترك تعليقاً