القصة القصيرة جدا

المسافات

1-
كرهت المرآة؛مذ فاجأني اللون الأبيض مختبئاً بين كتل السواد في شعري، أمر مسرعةً لأعدل هندامي، اتحاشى النظر لوجهي، أراه في أحلامي مترهلاً بلا ملامح، أهرب قبل أن أضع مساحيق التجميل، أضع غطاءً على الشعر الملبد..وأخرج..
2-
يصرخ الهاتف بلا إنقطاع، انفض النوم عن عيوني، وأجري قبل أن يستيقظ الأولاد، يأتيني الصوت على الطرف الآخر محملاً بالرغبة، أنفاسه اللاهثة تسقط ما تبقى لدي من قدرةٍ على الإحتمال، أذوب كقطعةٍ من ثلجٍ باغتها اللهب، ينهي المكالمة، تاركاً إياي في منتصف المسافة إلى فوهة البركان اللاهب، أزحف نحو الغرفة ممزقة الروح، يحتويني الفراش البارد، أتقلب على جمر الغياب، أعانق الوسادة، أضمها إلى صدري، وأزفر حد الإحتراق.. !
3-
الطالب المغترب الذي سكن حديثاً في الشقة المقابلة، لم يكن بعد اعتاد على التعطل المستمر للمصعد، نظر لي متسائلاً، ابتسمت:
-عادي
مد يده إلى زر التشغيل، ضغط مرتين، مرت أنفاسه الحارة على وجهي، إلتصقت بالركن ألهث في صمت، تعالت دقات قلبي،ونزني عرقٌ غزير، مس صدري بينما يحاول إعادة لمس الزر.. تركته يتهجى تضاريس جسدي.. اغلقت عيني، وانتظرت، حين فتحتهما؛ كان الباب مشرعاً، وأنا وحيدة، أحاول أن ألملم بقايا ما تبعثر مني..!
4-
باقات الزهور تحيل إلى قدرٍ إستثنائي، دخلوا؛ فاستقبلتهم قبلاتٌ، ودموع، وأكفٌ مربتة، اصطحبتهم إلى غرفتهم، تحدثت معهم طويلاً، نظروا لبعضهم صامتين،ولم يعلقوا. من لحظة إستلام الصندوق القادم من البلاد الحارة حاملاً الجثمان، وحتى إنطفاء آخر مصباح في سرادق العزاء؛ لم أذرف دمعةً واحدة، حين انفردت بنفسي، مغلقةً باب غرفتي، وحيدةً يأكلني البرد،حدقت في المرآة كثيراً، رأيت التجاعيد تزحف بتؤدةٍ لتحتل ما تبقى من مساحة وجهي، ضربتها بكل ما أملك من قوة، ثم اجهشت بالبكاء..!

السابق
سناريات الغواية في قصة “اكتفاء”
التالي
رومانسية

اترك تعليقاً