مقالات

النقد على الخاص أم العام

وأنت تتجول بين صفحات العالم الأزرق، تقف على كم هائل من المنشورات، تختلف أجناسها ومشاربها، و تتنوع مضامينها ومحتوياتها، فتقرأ هذا المنشور، وتغض الطرف عن ذاك، تعلق على هذا سلبا أو إيجابا، وتترك ذاك، حسب ذوقك واختيارك، وهذا حق من حقوقك كقاريء يستعذب ٠٠٠ يستسيغ٠٠٠ ويستقبح، فالقراءة اختيار وليست إجبارا، ذوق وذائقة، تختار ما ترتاح له نفسك، وما يستهويك ويعجبك، لكن ما ليس من حقك- في نظر البعض- هوأن تلاحظ أخطاء كثيرة متفرقة هنا وهناك في هذا المنشور أو ذاك، فتغض عنها الطرف، فيكون موقفك منها سلبيا، وفي قرارة نفسك، أن هذا لايعنيك مادمت لست مسؤولا فعليا عنها، لكنك بموقفك هذا، تصبح مشاركا بطريقة أو باخرى في اغتصاب وتدمير لغتك، وأنت تراها تذبح أمام عينيك من الوريد إلى الوريد بآلةحادة، فلا تهب لنجدتها، خصوصا وأن هذه الأخطاء تكون في كثير من الأحيان بالخط المنمق والواضح والمضغوط٠ لكنك، عندما تسمح لنفسك بتصحيح هذا الخطأ أو ذاك في تعليق بسيط لا يخلو من لباقة ولياقة أدبية، تختلف ردود أفعال مرتكبيها٠ فهناك من يعمد إلى إعادة تصحيحها ويشكرك شكرا جزيلا، وهناك من يثور في وجهك، ويرد عليك ردا فجا غليظا لا يجب أن يصدر عمن يدعي الأدب، فيجعلك تشعر بندم كبير، فلا يكون في مقدورك إلا لوم نفسك، كأن تقول:
– ما كان علي أن أفعل ذلك، أوأقترب من منشور هكذا أديب٠ فأنا شخصيا ما زلت أحتفظ في ارشيفي بقراءات نقدية لبعض النصوص، وقد أحجمت عن نشرها فقط لأنها لم ترق أصحاب هذه النصوص، ولأنها تخلو من عبارات الإطراء والمجاملات المجانية التي لا تقدم ولا تؤخر في النهوض باللغة العربية، هذه اللغة التي أصبحت غريبة بين أهلها٠
كل هذه الأمور يمكن تجاوزها، لكن ما لا يمكن السكوت عليه ، هو أنك تجد بعض المجموعات ( الأدبية) تتواطؤ مع المخطئ، وكأنها تشجعه على ارتكاب الخطأ، فقط لأنه عضو من أعضائها المدللين، أو له علاقات خاصة مع المشرفين على المجموعة٠ فتعتبر تصحيح الأخطاء على العام فضيحة كبرى لعضوها، هذا المهم الذي لا يأتيه الخطأ من بين يديه ولا من خلفه، وأعطيك عزيزي القاريء أمثلة دامغة على ذلك، لكن كتم أسرار الآخرين واجب ودرء لفتنة يمكن أن تحدث، ولا فائدة منها، وأيضا اجتنابا لصداع الرأس المجاني٠
مرة دعاني أحد الأصدقاء إلى مجموعة أدبية تهتم بالشعر، فقبلت الدعوة بلا تردد، ما دامت تهتم بنقد الشعر، فسجلت دخولي إلى صفحة المجموعة، لكن، كان أول دخولي وآخر خروجي، وكأنني حللت بها عابر سبيل٠
قد تتساءلون عن سبب مغادرة هذه المجموعة: فالسبب طريف، عجيب وغريب٠ وأنا أتجول بين تلك القصائد والمنشورات، لا حظت أن أغلبها يعج بأخطاء قاتلة على مستوى قواعد النحو أو الإملاء أو الصرف، تعابير وكلمات ما قالتها العرب يوما، ولم يسبق لنا أن سمعنا بها من قبل، كأن يجمع الكاتب بين ضميرين (لكي٠٠٠ كاف المخاطبة ٠٠٠٠يا المخاطبة ) والمشكل، هو أن هذا الخطأ يقع في قصيدة شعرية ( بتحفظ) لا تحتمل الخطأ ، إلا ما كان من ضرورات الشعر التي لها قواعدها وظروفها وملابساتها الفنية ٠
فتجرأت على بعض هذه المنشورات بنية حسنة، وفي اعتقادي أننا لا نتفاعل إلا للإفادة والاستفادة، لا نفاقا ومجاملة، صححت بعض هذه الأخطاء بدقة بعد تأكدي من صحة تصحيحي برجوعي إلى كتب النحو، فعللته انطلاقا مما تسمح به أو ترفضه قواعد اللغة العربية، وكان هدفي إقناع هؤلاء بإعادة النظر فيما نشروه تنقيحا وتهذيبا وتشذيبا، لكن ما خلخل أعشاش الدبور في نفسي، هو أن إدمن المجموعة اتصل بي على الخاص، بمجرد نشر تعليقي، حيث عاتبني على ما نشرت، فقال لي بصريح العبارة: إننا يا أستاذ، لا نصحح الأخطاء الواردة في النصوص على العام، و إذا أردت أن تصححها عليك أن تتصل بصاحب المنشور على الخاص، لتناقشه في كل ما ارتكب من أخطاء، ليصححها، هذا إذا اقتنع بأنها فعلا كذلك٠
قلت للإدمن: يا أستاذي إن الخطأ خطأ سواء على العام أو الخاص، وأنا لا أتفاعل مع النصوص من خلال الخاص، ولا أحب ان تكون قراءاتي من وراء الكواليس، فليس لدي ما أخفيه، ونحن نتفاعل بالواضح مع النصوص لتعم الفائدة لا بالمرموز، فلماذا سنضطر لسلك أسلوب التستر على الخطأ؟
لكن سعادة الإدمن كان أكثر صرامة، وهو يأمرني بحذف التعليق وكأني أجير في ضيعة أبيه وقال:
– احذف التعليق يا أستاذ، أم لك رأي آخر ؟
– قلت: نعم ؟
– قال : إذن، سنعقد اجتماعا لمجلس الإدارة، ونخبرك بما سنقرره، وما سنراه الأسلم٠ أيكون التصحيح على العام أو على الخاص ؟ ( ما زلت أحتفظ بالحوار مسجلا على الخاص)
-أجبته باقتضاب: أستاذي العزيز، سأوفر عليكم وقتكم الثمين، فأنا لا أصلح لمجموعتكم الموقرة، وهي لا تصلح لي، فلا أنا منها ولا هي مني٠ فلا داعي لهذا الاجتماع الطاريء، أغلقت الخاص، وعدت فورا إلى صفحة المجموعة، حذفت كل ما دونته في حيز التعاليق، وأغلقت الباب ورائي بهدوء، وانسحبت من حياة المجموعة وإلى الأبد٠
فعندما تجد عزيزي القاريء، مجموعة أدبية تتعامل بهذه الطريقة الفجة واللاأدبية في تدبير تفاعل أعضائها وإبداء الرأي حول المنشورات، فماذا سيفعل أفراد لا ينتمون لمجموعات أدبية، وينشرون مباشرة على العام؟
مضايقات كثيرة ستتعرض لها، إذا لم يسعفك ضميرك لتغض الطرف عن الخطأ، وأردت تصحيحه على العام٠ لا أدري ما هو السبب؟ أيعتقد مرتكب الخطأ أن التصحيح ينقص من قيمته الأدبية والفكرية؟
ففي أغلب الأحيان، تحرمك الأخطاء من البحث على المتعة الفنية، إذ تنشغل بأخطاء لا يمكن تجاوزها، لأنها تكون كجروح غائرة تشوش وجه النص، وتفقده بريقه وجاذبيته، فلولم يكن ذلك لما بحثنا عن مدققين لغويين لتنقيح نصوصنا قبل النشر، فما تغفله عين الكاتب تكتشفه عين القارئ، وأظن أن هذه ظاهرة صحية، يجب أن نرحب بها ونعانقها بالأحضان ولنترك النص للقارئ ليبدي ملاحظاته، ما دمنا استأمناه عليه٠ لا تعتقد أن كل ما تنشره منزه عن الخطأ، فتصحيح الأخطاء تكليف للقارئ وليس تشريفا له، فهو، لا محالة ، يرفعك ونصك درجات ولا يحط من قيمتك أبدا٠
لقد تعرضت أكثر من مرة للحظر من طرف مجموعات أو أصدقاء بسبب تصحيح الأخطاء على العام، أما التعاليق التي لا يستحسنها صاحب المنشور فإنه يحذفها، ويتركك كالمجنون تحدث الفراغ، أو تحذف ومن قبل إدارة المجموعة٠
إلا أن هذا لا ينطبق على الجميع٠ هناك مجموعات أو أفراد ( لحم أكتافنا من خيرهم ) كما يقول الإخوان المصريون، نكن لهم كل الاحترام والتقدير، لأنهم مهووسون بضرورة الارتقاء بالأدب والأدباء وباللغة العربية٠ فللغتنا العربية علينا حق، ولا يمكن- إطلاقا – الحفاظ عليها وصونها، ونحن لم نتجاوز أنانيتنا المقيتة التي تجعلنا نشعر بالنقص في التعامل مع أخطائنا٠
لا ننكر أهمية الخاص في عملية التنقيح عندما نلجأ إلى من هم أكثرنا معرفة طلبا لتوضيح أو تصحيح ، ولكن قبل أن ينشر النص٠ أعتقد أننا ملزمون بفكرة (من رأى منكم منكرا)٠ فرولان بارت كان على حق عندما أقصى المؤلف، وكذلك نظريات التلقي التي احتفت بالقارئ وتوجته ملكا في العمل الإبداعي٠

السابق
بصيرة
التالي
نضال

اترك تعليقاً