الخاطرة الطويلة

بطاقة حب

كان علينا عبور النهر، وكان على النهر أن يهدأ لنصل شواطئ الأمان فشلت في تحقيق رغبتي التي بقيت دفينة في صدري، تتقد من فصل لآخر، تعصف بها رياح الشتاء، وتزيد من لهبها أُمسيات تموز صديقي، سافرت لتزيد من حيرتي وتتركني عرضة للهواجس والظنون، كابدت الكثير ومازلت في غمرة انشغال العالم بوباء كورونا، أجد نفسي منشغلة بك وبحضورك الذي شغلني عن الاهتمام بكورونا الذي ضج به العالم.
أرقام مخيفة، وحقائق صادمة عن هذا الفيروس المستحدث الذي عصف بالبشرية، إننا نعيش زمن وباء الكورونا شبيه حكايات الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين هزمتهما أوبئة الكوليرا التي راح ضحاياها المئات بل الألوف من الناس!
لا أعلم أي أرض تلك التي أبعدتك عني، لكنني أعلم بانك لن تتركني أنتظر طويلاً، كما يقيني بأنك ستتخطى محنة الوباء وتحصن نفسك منه، دعني أُخبرك بأنني لم أهتم بحظر التجول لأنني فرضته على نفسي منذ أن ابتعدت عني، وبأنني أجلس بصحبة حاسوبي أودعه أسراري وهمسي، أتجول بين مواقعه وأقرأ صحفه، غير مبالية بضحايا الفيروس لأني اعتدت وجود الأوبئة منذ أن عصف بقلبي داء الفراق لتنتصب الأحزان فوق كاهلي باكراً، منذ أن غادرت مريول الطفولة حتى لحظتي هذه، ومنذ أن غادرني أبي إلى حيث أراد الرب له أن يكون!
تطاردني أشباح الأمس، ويطارحني اليأس عباراته، سكون يلف المنطقة التي صخبت بأحداث دامية سنوات عديدة، لم تعد للشوراع حكاياتها، وللأرصفة وقعها، مابين رحيل الشتاء وقدوم الربيع بضعة مآسي، اصطحبت قدوم هذا الفيروس القاتل.
لم تعد نسوة الحي تتبادل الزيارات، ولم يعد للمساءات عطرها، إننا نسير وأفواهنا مكممة، إننا نعيش زمن الصمت بكل معانيه، كم كنت تغضب من لحظات صمتي القصيرة، وكم كنت تستفذ هدوئي لتستمتع بصخب صوتي ودمع عيوني!وكم كانت رائحة قهوتي تثير ذائقتك لتشاركني رشفها رغم تنبيهك لي بالتقليل منها، لم يعد أمامي سوى رشف القهوة ومتابعة أخبار الفيروس كما كل فتاة تعايش زمن الكورونا وتحرص على تحصين نفسها.
أشعر بأننا على أعتاب فصل الخريف، رتابة وسكون، لم تعد فوضوية فصل الربيع تقلقني، ولم تعد للنزهات ذائقتها، مطر وغيوم، شمس وقمر، تبدل مزاج للطبيعة التي تفتقد الأمل وتنتظر بيأس حلول السلام من كافة الجهات، والخلاص من كورونا وعودة الأطفال إلى ساحاتها وروابيها بأقصى سرعة هي مناسبة عليّ استغلالها لأهديك بطاقات صباحية وبضع ورود في مزهريات المساء هي من جود فصل الربيع.
تذكرك بوفائي لقلبك، وبأحاديث المساء وهمس صباحاتنا، التي كانت تورق دفئاً بين نبضينا كلما هبت عاصفة نتبادل العناق، وكلما انتفضت غاضبة تنهال عليّ بنظرات عتب ودية تبدد لحظات غضبي تعيد تكويني بكل حب وحنان.
هاهي الساعات تمضي، وصمت رهيب يلف شطآن ساحاتنا، أُعلل نفسي بلقياك، وتصخب ذاكرتي بحكايات خلفتها مواعيدنا الصماء، بانتظار انحسار موجة
البلاء ولم الشمل وتبدد غيوم الهموم، أودِعك جُل محبتي ومودتي وعلى أمل أن نلتقي والدنيا يلفها حب ووئام.

السابق
إشارة مرور
التالي
مقاربة نقدية في رواية “قيامة البتول الأخيرة “

اترك تعليقاً