الخاطرة القصيرة

جنوني

هل من أحد يستطيع أن يخبرني عن بداية الجنون ؟ وهل للجنون بداية واحدة ؟ أم بدايات متعددة، بتعدد المجانين الذين لايشبه الواحد منهم الٱخر ؟ وبالتالي لامجال لكلام عام عن بداية جامعة ؟ ومن يستطيع أن يفحمني بتعريف للجنون ؟ أوليس مجنونا من يفعل ذلك ؟ ألا تشبه تجربة الجنون تجربة الموت، إذ لايتكلم الموتى عن تجربتهم، كشأن المجانين، لكن من يتكلمون عنها هم الأحياء، الذين لم يموتوا بعد، كالجنون على لسان العقلاء، الذين لم يجنوا بعد ؟ والمجانين ليسوا مجانين إلا في نظر العقلاء، كما قد يكون هؤلاء الأخيرين مجانين في نظر المجانين ؟ فالمجنون إذن من ينصت للأحكام المسبقة للعقلاء، والعاقل من يرى في العقل وجها ٱخر للجنون..وأنا أتكلم عن حالة الجنون، لاوصمة الجنون، التي تشبه وصمة العار كما يحددها شرف يقول عن نفسه أنه الشرف. وبالاصح، عن حالات الجنون، لتبقى كلمة الجنون كلمة عامة شاملة فضفاضة نحتها العقلاء لتعبر عن مضمون يرونه في الجنون، وليس كما يعيشه المجانين الواقعيون بمضامين متعددة، هي زبدة حالات خاصة متفردة، لايجمعها سوى تصنيف العقلاء لها جميعها في خانة الجنون. فالجنون في الواقع خروج عن كل ماهو عام وشمولي، وتفرد تام، إذ تنمحي كل القوالب الإجتماعية العامة، فأغلب المجانين لايتكلمون مع أحد، ويستغنون عن اللغة ومعها التواصل، واللغة مدخل لكل ماهو عام وشمولي. لكن العقلاء يعيدونهم قسرا، وباللغة، الى العام والشمولي، ليحشروهم في قطيع ٱخر هو قطيع المجانين ! الجنون ليس خروجا عن الطبيعة، ولا الغرائز، بل عن المجتمع الذي يدور في فلك عقلانية محددة، هي بمثابة الشعور الذي يخفي لاعقلانية كامنة..أما الضمير فلا أدري أين، إذ أغلب، إن لم أقل كل، الجرائم والحروب والفظاعات يرتكبها العقلاء، وليس المجانين. فيم قد يتكشف الجنون عن الحكمة، كما يمكن أن تتكشف عنها أفواه الاطفال..أوليس المجانين أطفالا أيضا، لكن بأعمار أكبر، ومعاناة أعمق؟.

السابق
أساطير
التالي
قلوب

اترك تعليقاً