القصة القصيرة جدا

حكاية رأس عربي

سلمه الرسالة، نصحه بترك المدينة، وقبل أن يختفي كالشبح قال:
– رأسك مطلوب.
أحس بالأرض تمور تحت قدميه، رأى رأسه معلقة على عمود طويل،والغربان تأكل من لحمه .
انطلق يجري بدون رأس، لا يدري إلى أين، المهم في مثل حالة الرأس المطلوب، و المطاردة أن يظل يجري حيث يدفعه الجسم.
الرأس المقطوعة تنزف دما، تلاحقه كالسهم، تروغ مع روغانه، تبحث عن الاستواء،أو التوقف ، كي تستوي ثانية على الجسد.
امتدت يده، تخلص من رأسه، رمى بها إليهم، راحت الرأس تجري خلفه، تتوسل إليه أن يسلم نفسه، وأن يكف عن تمثيل دور البطل. الدم يسيل بغزارة، وهو ما يزال يجري, و يتبرأ من رأسه. الصياح يأتيه من كل جهة: اقبضوا عليه، نريده حيا.
قبضوا عليه، وضعوه في آلة تشبه غسالة الملابس، فصلوا رأسه ثم وضعوه فوق جسده.بكى بكاء شديدا حين رأى نفسه في المرآة، وصاح:
– هذه ليست رأسي.
وضعوا على رأسه خوذة عسكرية، حاولوا تثبيتها بمساعدة مثقف، وصحفي، وسياسي
ورجل دين ثم أعادوه إلى آلة الغسيل، ولما أخرجوه، ظل يصرخ:
– أريد رأسي.
– صفعه القاضي على قفاه:
– وهل تتهمنا بالسرقة.
– لا سيدي ولكنها ليست راسي.
تهاطلت عليه الركلات، والصفعات، خيل إليه أنه سمع الرأس تدعوه أن يكف عن حماقاته وأن يقبل بالقضاء والقدر.
و قيل: مع مرور الزمن، اعتاد الرجل على الرأس الغريب، وأصبح مواطنا عربيا صالحا. و لم يعد يجد حرجا في أن تسلب حريته، أو يصادر رأيه، أو يصفع على قفاه، أو وجهه، أو فمه، أمام الملأ أو في مخافر الأمن، و الشرطة.
وقيل: أن الرأس الغريبة ظلت تتشبث باعتلاء الجسد، وتحاول ترويضه، وتأمره بأن يكف عن تصرفاته الصبيانية قبل أن يقتل،لكن الجسد ظل جامحا، يصرخ: اقرؤوا رسالتي، وظلت أحرف الرسالة تتطاير في الهواء: ح ر ي ة،ثم تنفجر فيسمع لها دوي يملأ الكون،و يدمر كل من يعترض سبيله، وخرج الناس يهرعون إلى الحاكم العسكري،و هم يصرخون إنها القارعة،القارعة….

السابق
سندريلا وزمن الحواديت
التالي
دموع باردة

اترك تعليقاً