للكاتب قويدر عبد الحكيم
نص القصة على مجلة قصيرة من هنا
القراءة
مازال النّقد الأكاديمي العربيّ يعتبر الققج جنسا أدبياّ غربيّا نتج عن الفراغ الرّوحي الذي يعيشه الفرد هناك..رغم ظهور محاولات جادّة لوضع نظريّة عربيّة مازالت لم تكتمل .
والقصّة القصيرة جدّا شئنا أو أبينا ظهرت كنتيجة حتميّة، مواكبة لمتطلّبات العصر شأنها في ذلك شأن القصيدة النثرية التّي لقت صدودا كبيرا في بدايتها…وهي الآن تتربّع على عرش الشّعر الحداثي، ومنه فما تمرّ به الققج من صدود وعدم الإعتراف هي حالة صحيّة تدفع كتّابها والمدافعين عنها بتكثيف جهودهم بالكتابة والنّقد …ولا بدّ لهذا الجنس أن ينظّر له ويدرس وتفكّك نصوصه..
نحاول في هذه الدّراسة التّطرّق إلى سيميائيّة العنوان في الققج ،فقد حظي هذا الأخير في الدّراسة السّيميائيّة لدى العرب، باهتمام كبير وعناية شديدة من خلال دراسات وبحوث لسانيّة جمّة من عصور النّهضة، واحتلّ الصّدارة في الأعمال الأدبيّة، لأنّه حسب الناّقد جميل حمداوي”أوّل عتبة يمكن أن يطأها الباحث السّيميائيّ قصد استنطاقها واسترائها بصريّا ولسانيّا وأفقيّا “ومنه فهو أوّل ما يلفت انتباه المتلقّي عند قراءته لأيّ نصٍّ أدبيّ سواء أكان رواية أو قصيدة أو قصّة ،يعتبره بعض النّقاد هويّة النّص ،فيه تختزل الدّلالات والمعاني ،وهذه الدّلالات هي ما تحفّز المتلقّي وتجعله يشتهي قراءة هذا النّص فالعنوان هو “تلك العلامة الدّالة أو تلك الشّفرة المتوّجة للعمل الإبداعي “…
إذن هو مفتاح النّصوص للولوج إلى أغوارها وقد استهواني هذا العنوان “تعكير” للقاص الجزائري عبد الحكيم قويدر.
يوّلد عنوان هذا النّص رغبة لإكتشافه والبحث في دلالاته وإيحاءاته المباشرة وغير المباشرة ، فماهي دلالة هذا العنوان؟ و ما هي علاقته بالنّص وبالألوان: الأخضر ، الأبيض ، الأحمر ؟
“تعكير” عند قراءتنا لهذا العنوان بعيدًا عن النص ، قريبا من الدّلالة المعجميّة …نعطيها عدّة دلالات في معجم المعاني مثلا : هي من فعل تعكّر يتعكّر فهو متعكّر…تعكّر الماء أي أصبح غيرصاف ٍ، عكّر ماء النّهر أي رمى فيه القاذورات،عكّر صفو حياته أي أقلقه وجعلها مضطربة ،عكّر الجوّ أي أثار بلبلة ومنه فالكلمة تدلّ على التّكدير والفساد والخلط والتلويث..يبدو العنوان محدّدا ومندمجا مع النّص، فيعيش المتلقّي اقترابا منه وهذا يولّد لديه دلالات أخرى نستخلصها من النّص…فتعكير هي حالة الإضظراب التي يعيشها العربيّ في ظل هذا الإختلاط في المبادئ والأفكار والأعراف…يشير السّارد من خلال العنوان إلى الفساد الحاصل في مؤسّسات الدول العربيّة ،والتّدخّل الأجنبي في سياستها، وإثارة البلبلة بين شعوبها و….وتشويه صورة الدّين وإجهاض الثّورات بتكدير النّيات “الرّغبة في التّغيير للمصلحة العامة ” بتغليب المصالح الخاصّة…وأنا أرى الدّلالة الأقرب من خلال العنوان هي الثّورات العربيّة التّي سمّيت بالرّبيع العربي .
يدلّ السّارد على كلّ ذلك بذلك القرص الذي يعبّر عن الشّمس، وهو في النّص يدلّ على الحقيقة فالحقيقة ظاهرة كالشّمس، لكنّهم يحاولون تعكير الجوّ ومنها طمسها ، بإسقاط ذلك على الحالة التّي عاشها العربيّ منذ انطلاق تلك الثّورات التّي كانت في بدايتها سلميّة ،ويرمز لإنطلاقتها باللون الأخضر “وهو لون المحبّة والتّسامح والحياة ” فالثّورة انطلقت لتنشر المحبّة ،ثمّ سطعت حقيقتها وهذا بتوظيفه للون الأبيض وهو لون النّقاء والصّفاء والوضوح والسّلام ،فبنودها واضحة ثورة شعب يريد العيش بكرامة ويحلم بغد أفضل، كانت في بدايتها ثورة سلميّة تدعو إلى التّغيير والتّطوّر ، إلّا أنّ ظهور اللون الأحمر ــ وهو لون أساسي نستطيع مزجه للحصول على ألوان ثانويّة ــ قد عكّر هذا التّسامح وهذا النّقاء…في علم النّفس يدلّ هذا اللون على الرّفض والتّوقّف(إشارة التّوقّف في المرور حمراء) …وفي السّياسة هو رمز للثّورة البلشفيّة والشّيوعيّة…وفي النّص هو رمز للقهر والعبوديّة. .. فعندما قوبلت هذه الثّورة بالرفض ووجّهوا رصاصات الغدر وسالت دماء الأبرياء اختلطت الألوان وتعكّر الصّفاء واختفت الحقيقة تحت مسمّيات جديدة … من أجل تحقيق المصالح الذّاتيّة، في الأخيرتعكّر الجوّ العربي من ربيعي مشمس إلى شتاء عاصف…سقطت أمطاره على قبور الشّهداء.
إن “تعكير” هو العنوان الأنموذج الذّي استطاع أن يحقّق اتّساقه وانسجامه مع النّص فكشف مدلولاته ومقاصده وأصبح هوالنّص والنّص هو العنوان.
من مواليد الثامن من أفريل سنة 1983، حاصلة على شهادة الماجستير أدب جزائري حديث والمعاصر من جامعة منتوري بقسنطينة سنة 2010، بصدد تحضير مذكرة الدكتوراه في الأدب الجزائري.
أستاذة مساعدة أ بجامعة محمد الصديق بن يحيى جيجل الجزائر. لدي مجموعة قصصية مخطوطة.
نشرت عدة قصص قصيرة في الجرائد الجزائرية.
لديّ مجموعة في الققج لكترونية عن دار كتابات جديدة للنّشر الإلكتروني بعنوان “غابرون” ..
أكتب الققج. ..نشرت العديد من النّصوص في مجلات وجرائد عربيّة.