القصة القصيرة جدا

طيف

في قفراء مترامية الأطراف، حيث تمتد الكثبان الرملية كبحر ذهبي ، عاشت نخلة وحيدة كانت بمثابة ذاكرة للريح وهمس للرمال وعين للسماء الساهرة على وحشة المكان. جذورها متعمقة في تربة قاحلة كعروق عجوز متصلب، وأغصانها ملوحة في الأفق كأذرع تستغيث بغائب.
في يوم قائظ، ظهرت قافلة سراب تتمايل كأشباح عطشى. اقترب أحدهم، شاب وسيم محروق الوجه بنيران الشمس.توسل إليها أن تمنحه ظلاً. شعرت بنبض غريب يسري في لحائها المتصلب.ان اهدته ظلها المتهالك فكأنها تمنحه جزءًا من روحها؛ وهي التي لم تعرف يومًا سوى الوحدة والقحط.
كل يوم، كان يعود إليها يحدثها عن مدن بعيدة وشجيرات مورقة وأنهار تتدفق بالحياة. تستمع إليه بشغف متخيلة كلماته أغصانًا خضراء تثمر حكايات لم تعرفها. نما بينهما صمت عميق، لغة لا يفهمها سوى قلب الصحراء.
في أحد الأيام، لم يعد . انتظرته، وأوراقها ترتجف كقلب مفجوع. مرت أيام وليال طوال غيابه. أخيرًا، تجرأ بدوي عجوز على الاقتراب منها. نظر إليها مليًا ثم صاح بفزع: “يا للعجب! جذورك ملتفة حول هيكل بشري!”
كان الرفات يحتضن جرابًا جلديًا باهتًا. فتحه.وجد بداخله رسائل حب متلاشية، كلها موقعة باسمها.

السابق
كاذب
التالي
أنفاس

اترك تعليقاً