فتحت صفحتها على الفايس بوك ، كالعادة طلبات صداقة كثيرة و رسائل عجز الصندوق عن إحتواءها ،هل كل هؤلاء يحبونها فعلا ؟ لم تكن تدري أن صورة فاتنة من موقع أنترنات عابر بإمكانها أن تجعلها قبلة العشاق و الرجال بكل أصنافهم ، المشاهير و العاديون و الصعاليك و السياسيون ، الكل يقف على عتبة صفحتها يطلب ودها .
إلتفت الى صديقتها في المكتب مبتسمة :
– ما زلت مطلوبة جدا عزيزتي لم أعد أجد الوقت للردود أو التصفح.
– الرجال لا يتغيرون مصابون بداء حب النساء في الواقع أو على النت .
– هذا يطلب لقاء عابر و هذا يعرض زواج على السريع و آخر يطلب لقاء جسدي عاصف.
– لا تشغلي بالك بهم كثيرا ، رجل وفي واحد في الواقع أفضل من مئات الإفتراضيين على النت.
حانت ساعة مغادرة الشركة ، أخذت طريقها المعتاد حيث ينتظرها واقع آخر من نوع خاص ، المطبخ و أشغال البيت التي لا تنتهي.
لا أحد يسأل عنها أو يعاكسها في الشارع ، إنها تعاني قحط رومانسي مزمن في الواقع ، هؤلاء الرجا ل كلهم مشغولون بأمور أخرى لم تعد المرأة تشغل عقولهم ، هل هم نفسهم رجال الفايس بوك ؟
في كل مساء تمارس سلطة مطلقة على كل الرجال ، تحذف هذا و لا تجيب على الآخر و تتظاهر بأنها غير موجودة ،لديها عدد هائل من الصلاحيات التي تسمح لها بتعذيبهم أكثر ، يمكن إعتبار مخترع الفايس بوك الأكثر نفاقا و كذبا منذ بداية التاريخ.
أصبحت تتلاعب بعواطف و مشاعر و أفكار جمهور كبير من الرجال تدرك أن ما يقع مجرد أكاذيب زائفة تنتهي عند أول لقاء فهي أنثى عادية جدا ، لا تملك في بورصة الأنوثة إلا الإسم ، و أسهمها خاسرة مسبقا ، الميزة الوحيدة لما تقوم به أنها تختبر قدراتها و تكتشف ما يطلبه و ما يقوله الرجال .
و مع تطور الأحداث و المواقف إكتشفت أنها تمتلك قدرات إفتراضية
رهيبة و خاصة حين تكون في دردشة مع عدة رجال في نفس الوقت تبتسم حين تكون وفية لهم جميعا ، أحبك ، الكلمة التي تكتبها للجميع رائعون هؤلاء الرجال حين يتركون نساءهم في الواقع و يتسمرون حولها الى غاية منتصف الليل ، كل واحد يتصور أنه الفارس الوحيد ، و حين تتعب تقوم بالنسخ و اللصق من هذا الى الآخر عادي جدا كلهم لديهم نفس السيناريو ، يتظاهرون بأنهم طييبون مثاليون ثم يبدأون في إرسال البطاقات و الورود ، ثم يكذبون الكذبة الكبيرة : أنت الوحيدة التي أعرفها و أنت أروع إمرأ ة عرفتها في حياتي ثم تأتي مرحلة الهاتف بدعوى لكي يتعرف أكثر ثم السكايب إن أمكن و غيرها من أبجديات التعارف الفايسبوكي و هناك فئة تصر على اللقاء في أسرع وقت من أجل وضع النقاط الحروف .
في تلك الأمسية على غير العادة إنتابها الكثير من القلق ، ما الفائدة
من ساعات تقضيها على الفايس بوك ؟ بدون أي نتيجة مقنعة في الواقع
و حين يسقط في غرامها رجل من الهند أو الصين أو من أمريكا هل سيحضر لها في اليوم الموالي ليقدم لها باقة ورد ؟ أكيد أنه يمتلك إمرأة ملموسة و محسوسة أمامه ، كل أحلامها الوردية تنتهي بمجرد غلق جهاز الكمبيوتر و تعود الى واقعها الأليم ، فتاة دهسها قطار الزواج منذ فترة طويلة و بقيت متمسكة بخيوط دخان تتصاعد من لوحة المفاتيح.
إتخذت قرار تاريخي عاجل ، لن تدخل الفايس بوك هذه الليلة ….
إقتربت من مكتبتها الخاصة ، تفقدت العدد القليل من الكتب التي بقيت صامدة تقاوم عزوفها عن المطالعة ، فجأة تذكرت كتاب نصحها زميلها في العمل بقراءته منذ أسبوع ، لم تهتم بالأمر حينها و لكن لما لا تلقي نظرة على هذا الكتاب الذي سلمه لها الرجل في نهاية الدوام.
موسم الهجرة الى الشمال ، رائعة الطيب صالح ، لم تكن تدري أن محاسب المؤسسة لديه ميول أدبية ، تتذكر تلك الرواية التي قرأتها في سنوات الجامعة ، تحكي عبر صفحاتها عن صراع الجنوب و الشمال حيث يتحول الحب الى ميدان للمواجهات و البطل مصطفى سعيد يتنقل من إمرأة أنجليزية الى أخرى يحاول أن يثبت للغرب أن إبن الجنوب بإمكانه أن يغزو و يفتح أجسادا و أوطانا ، إشتاقت فعلا الى مصطفى سعيد.
و ما كادت تبدأ في قراءة الكتاب حتى سقط منه شيئا ما ، إنه ظرف بريدي مغلق بإحكام موجه لها ، فتحته بكل لهفة ، و كم كانت
سعادتها و هي تقرأ رسالة غرامية مطولة من الرجل الذي لم تفكر فيه يوما ما .
إنه شخص عادي جدا قليل الكلام قد يكون لا يعرف الفايس بوك و النت ، يبدو شغوفا بالزمن الجميل ، لا تصدق أنه ما زال هناك رجال من هذه النوع ، حتى أنه في آخر الرسالة يطلب الإذن بالتقدم لأهلها لخطبتها .
وضعت الرسالة على صدرها و إستلقت على سريرها تحلم بغد أفضل
و أخيرا إبتسمت لها الأقدار بعيدا عن عوالم الفايس بوك.

بوفاتح سبقاق قاص، وروائي من الجزائر. بدأ النشر في الصحف الوطنية منذ 1988م. من مواليد مدينة تقرت 07 جانفي 1969 بالجنوب الشرقي الجزائري .
نشر في مجلة العربي الكويتية وأسبوعية أخبار الأدب المصرية.
حاز على جائزة عبد الحميد هدوقة للقصة القصيرة.
أصدرت الناقدة الأردنية سعاد جبر دراسة نقدية حول أعماله بعنوان / ثنائية النخبة والمواطن في كتابات بوفاتح سبقاق القصصية.* عضو اتحاد الكتاب الجزائريين.
حاز على جائزة مسابقة همسة للقصة القصيرة بالقاهرة سنة 2015
عضو جمعية الجاحظية.
عضو إتحاد الكتاب الجزائريين
– صدرت له الأعمال التالية:
رجل الأفكار – مجموعة قصصية – سنة 2000م.
الرقص مع الكلاب – مجموعة قصصية سنة 2002.
رواية الإعصار الهادئ – سنة 2007.
لقاء لم يكتمل ….مجموعة قصصية …2015
ترجمت بعض قصصه الى اللغة الفرنسية سنة 2014
بكتاب معنون * La Proposition magique