القصة القصيرة جدا

لا ملامح

لم أشعرْ بالصَّحْوِ حين قمتُ من النوم، وإنما أحسستُ بصُداعٍ كبير في رأسي، وبخَدْرٍ ثقيلٍ في مفاصلي وأطرافي، تحاملتُ على ذاتي، وجررتُ قدميَّ نحو دورة المياه، ووضعتُ رأسي تحت الصنبور، لم أستمتع ببرودة المياه، ولازمني الصُّداعُ…نظرتُ في المرآة.. لم أرَ نفسي… !!،
يا ويحي !!… أين وجهي؟!
لقد اختفت ملامحُه، وبدا وكأنه قطعةُ لحمٍ بيضاءُ فحسب !!
أين العينان؟.. أين الأنف؟.. أين الفم؟.. أين الجبين؟…
تحسستُ قطعة اللحم بيديْن مُرتعشتين، وضغطت بخوفٍ على مواضع الأعضاء، فلم أشعر بأيِّ ألمٍ، ولم أجدْ أي سائل لزج يفيدُ أنه دمٌ… !!
أين وجهي؟…
أردتُ أن أصرخَ، ولكن منْ أين ستخرجُ الصرخة؟… لقد ضاع الفمُ… وهبْ أني صرختُ، فكيف أعرفُ أني صرختُ، فالأذنان غير موجودتين أيضاً… !!
هل أصبحْتُ مَسْخاً؟!
فكَّرْتُ أن أخرجَ من المنزل إلى الشارع، وأطلبَ الغوْثَ من الناس، ولكنِّي قَدَّرْتُ أني سأفزِعُهم، وأملأ قلوبَهم رُعْباً، فواتتني فكرةٌ أنْ أُغَطِّي قطعة اللحمِ بكوفيةٍ، وأضع نظارةً على مستوى العينين المفقودتين، أُمْسِكُها بخيطٍ خلف الرأس، وأتوجَّهَ إلى أقرب طبيب…استجْمعْتُ بقايا قوتي، وشتات عزيمتي، ونزلتُ إلى الشارع…
ويا هولَ ما رأيتُ؛ رأَيْتُ قطعَ لحمٍ كثيرةَ، مختلفة ألوانها وأحجامها، تسيرُ ولا تُبالي…
تجمَّدْتُ لحظاتٍ، واجتاحني شعورٌ مُشَوَّشٌ؛ أردتُ أن أبكي.. أن أضحك.. أن أقتربَ من الناس، وألمسَهم، وأحدثَهم، وأسألهم… ولكني تراجعتُ بسرعةٍ، وقلتُ لنفسي:
ـ بأيِّ وَجْـهٍ؟!.. ولأيِّ وُجـوهٍ؟!.

السابق
ثمن
التالي
امتداد

اترك تعليقاً