الخاطرة القصيرة

هل أنا منبوذ

هي فكرة و راودتني رغما عن نفسي، السفر إليك حاجة لا بد منها و الهروب إليك لا مناص منه حتى النصَب في الرحيل صوبك هوان، هجرة دون رجعة، كطيور الغاق التي تهاجر أسرابا أسرابا لوجهة معلومة.
أحزم حقائبي و القلب الذي اختار السفر أطبق على العقل فاصبحت لا أميز بين الجيد و لا السيء و هل الرحيل إليك يستوجب النية؟ أم سفر بين طلاسم الغيبيات و سراديب الفرعونيات اللاتي لهن غير ما لفرعون من رهبة و قوة و جمال؟.
هي سيارتي و أنا الساعي بين ضفاف الألم و الفرح، حتى و إن كانت وجهتي معلومة فالهجرة إليك محفوفة بمكامن سوء و سقوط و خيبة، حظي و أنا أعرف الناس به، لكنني مغامر من نوع لا يزال يكابد ليفرض تواجده بين المغامرين الذين ما إن وصلوا سقطوا أسفل سفوح براكينك التي تتقد عبقرة و دهاء.
سيري في كل هذا الفراغ لا يكاد يكون سوى انعدام و فراغ وسط هذا الكون، لكنه يستحق كل العناء الذي أصارعه للوقوف لديك، أجل أنت التي لا بد لي من السفر لأجلها ليس سفر حبيب و لا عاشق، بل سفرية منتحر.
هكذا أنا لا اعطي الأشياء إلا أكثر مما تستحق، لا أسمي الاشياء بمسمياتها، فالخلاف فيك جائز بشتى السبل و المقومات عدا ذلك فانا مجرد طيف تلاعبت به شمس ظهيرتك تارة يربو و تارة أخرى مجرد سراب.
أهوي في وادك السحيق هذا و كلي ألم و شغف، لم أعد أقوى على المضي دونك، سبيل الموت هذا الذي اتخذته ما لي من خيار غيره، فأنت السبب الرئيس في جعلي مقعد الفكر مكبل الجسد مختل النبض لعلي أرسي من كل آلامي مرساة الحظ في حضرة محيطك الذي ما إن علت أمواجه علت، فقذفت في قلبي الرعب مخافة أن أفقدك وسط العتمة و الأعاصير و تغيب معك نجوم الهدي التي تزيح كل الغموض لترسي بما تبقى لي من دفة حظ إلى شواطئ الموت التي ترتطم بها المآسي لتصبح جراحا لن تندمل، ما دمتِ تحت ثراك هذا و الرمس الذي بالأمس كان حيا فينا أصبح صلبا و صلدا، جزءا من لحد خاتم لكل آمالي و أنا ذلك الذي لا يملك في العالم أملا سواك.
هنا و في أعلى الجرف من حاضري أسمع بعض الضرر الذي يصرخ في أن لا أفعل الشيء الذي أردت أن أفعل، تلك صرخاتك أكاد اميزها، ليست تجزرني عن فعلي كما تعتقدين، بل تناديني أن أغرق في هذا العلو و أن أسرع في المرور بين صراط يوهج بين الماضي و الحاضر
الميت فينا حي و إن برزت فينا أنيابه.
كيف لا و نحن نحضن منه السيء فنصيِّرُه حسنا.
كذلك أنت.
مهما اقتربت من الوقوع من خلف مقودي، تأكدت أنني ذلك المعتوه الذي ناداه حظه العثر و لم يزل.
كل هذا الظلام و اللامحدودية سبيلي الآن، أنتظر بفارغ الصبر يدك أن تمتد و تنتشلني من بين الواقع الذي أنا فيه الآن، ذنبي أنني لم أسأل طيور الغاق عن موعد الهجرة نحو الجنوب حيث الدفء، بل ذنبي أنني اخترت الهجرة نحو المجهول حيث لا مكان للدفء و لا الجفاء فقط ضياع و تيه و موت دون قبر أو شاهد.

السابق
السياسي
التالي
ديمغرافية

اترك تعليقاً