القصة القصيرة

أسلاك تنمو

لم يكن الأمر ليتجاوز حدود المزاح، ردود سريعة تستدعي ضحكة متبادلة، وينتهي الأمر بنسيان كل شيء، لأن الأحداث بدورها لا تتجاوز فواصل عبارات بينهما، كأنها غير مكتملة، لأنها في غالبها لا تعني شيئا…
أطراف الحديث تنجذب وتتنافر حول الأسلاك، قال الأول للثاني:
– أرضي معطاه، تخيل أني لو غرست بها أسلاكا، فوجدتها في الغد قضبان الحديد، قضبان تشبه أبواب السجن، وإن غرست فيها قرشا بسيطا لوجدت أوراقا مالية تتخاطفها الريح…
فرد الآخر:
– لن أصدقك حتى وإن قلت، بأنك إن زرعت بها دراجة هوائية، لوجدت في الغد مجرفة تشهم في الأرض وتعيت، وتجعل أرضك محروثة جاهزة…
تبدلا الضحات، دهب كل إلى حال سبيله، لينبش في هموم اليوم والغد، الجميع في هذه الحياة يبحث عن الحل، لا يجد الحل إلا من رحم ربي…
الأرض صعبة المنال، لم يعد هنالك من يريد أن يعمل، شباب يهاجر صباح مساء، جميعهم يرى أن الضفة الأخرى جنة الدنيا لا ينبغي أن يفلت الفرصة، والفرصة تأتي بأمل محتمل، أو بموت محقق، يكون الفائز فيها قرش لا تهمه الهجرة، همه الوحيد الاكتفاء الذاتي بولائم يهديها إليه البحر كهدية لبطولة في العوم، يصطاد الحوت شبابا رمت به المياه، وآخرون ابتعلها قبل أن تموت وهي تصارع الموج، ولا حيلة مع البحر، البحر ظلمات يوم الحياة، ظلمات تدهب بالأفكار الطائشة إلى الهلاك، وإن نجى هذا الكم الهائل من العقول المتهورة، هل فعلا يوجد في الضفة الأخرى، ورد وحليب بالمجان، هل يحق أن نسميها جنة الدنيا…
جنة الدنيا أسلاك، لا تنمو على شاكلة الأفكار، الحيرة وكثرة السؤال، ونبش في حقيقة الواقع المر، هي نتيجة الوقائع المزرية لأوطان بشعة النمو والانتماء، على قارعة الطرق صبيان يحلمون، يتوهمون الفردوس، يغرسون أفكار الهروب في ذاكرتهم، لا يهمهم سوى مغادرة لا توثق لحياة جديدة أكثر منها غموضا لنهاية حياة مرسومة محتملة، الحياة الحالمة تلك، لا يصلها إلا من غرس بأم العقل تخطيطا، تعلم وجنى تمور الفردوس، ورحل في طلب العلم مكافحا، كسلطان على خشبة العرسان، يأمل أن يعود لوطنه ذات مساء، محاولا التغيير، رغم أن التغيير مسألة تستدعي أعواما كثيرة، وتلزم تقليب الصحون، وتبليط العقليات بسمد التوعية من الجذور، أما الأسلاك فلا تنمو إلا صدئة، والصدأ لا يمسح أطره إلا إعادة التذويب، ثم انصهار كلي، علها ترجع لحالتها الكونية لتصبح أسلاكا يمكننا أن تستخدمها في تصنيع الأشياء الجميلة، تكون تنبيها للعقول المهاجرة، وعلها تكون أيضا سببا آخر في إصلاح هذه الحياة…

السابق
جاهل
التالي
جدار آيل للانقضاض

اترك تعليقاً