القصة القصيرة جدا

ذاكرة الطين

هذا ما كتبته في السنة الجامعية الأولى حينما طلبت معلمة اللغة الإنجليزية وصفا لبيتنا .وبيوت الطلاب،لقد كنت أكتب وأبكي وأنا أصف البيت الذي تهدم بعد تخرجي ببضعة سنيين،لقد كتبت كلمات كانت تئن وجعا ،حاولت فيها لي عنق اللغة الأجنبية وتطويعها لمشاعري المرهفة والمتدفقة للمكان، وحينما فضحتني دموعى الحرى و لمحني زملائي في السكن أرجعت ذلك لظروف الطقس المتقلب ونزلات البرد .
وقد ذيلت المعلمة أنه جدا جدا مدهش ومثير ،لقد أشرعت معلمتي بابا لم يكد يندمل،لقد فتحت مع الوصف للمكان أتونا من الذكريات التي لم تندمل ،لقد حلمت بالطيران وأن أصبح طيارا،وحلمت وحلمت منها ما تحقق ومنها لم يزل على قائمة الإنتظار،وبعضها تبخر واندثر.
كان بيتنا قليل الشقوق ولم يزل يصلح للسكن لولا الغرفتين الاسمنتيتين بجانبه.
كم كنت أغفو على ربوة تفتح لنافذتين من الجهة الغربية التي كنت أحبها جدا بهوائها العليل، ورماحها الملساء الصدئة والمتدرجة من الجانبين وتصل سقف النافذة من الوسط ولها رؤوس مفلطحة.كم تشدني تلك اللحظات المسروقة وسط النهار حينما كنت التجأ الى تلك الجدران السميكة من وهج الشمس اللاسع في كنف بيتنا الطيني الكبير،كان بمثابة المكيف صيفا والمشتى في الشتاء إذا أغلقنا نوافذة الخشبية السميكة والمرصوصة بأخاديد صغيرة وملونة بالأحمر والأزرق .
لقد كان على مستويين، السفلي للماشية والعلوي لنا،و وله درج يتربع في القلب ،وهو حجارة كبيرة مرتبة تصاعديا ،لكنة كان يقوم بالغاية منه بصوره سلسلة، تمكن الصغار والكبار من الصعود والنزول بين المستويين.
كان يفضي من جهته الشمالية الى سطح بيت طيني آخر وصغير كانت أمي تستخدمه طابونا للخبز،وكان هناك باب في المستوى العلوي يفضي الى سطح الطابون، وتفترش جدرانه دالية كنا نأكل ورقها وعناقيدها الفجة ذو الطعم الحامضي اللذيذ ،وكنا إذا سمعنا صوتا في ساحة الحرجة نطل من هذا السطح الى ساحة البلد الرئسية ،وكانت تتدلى من وسط قبته سلسلة حديدية، كان أمي تعلق فيها الثوم والبصل وكان اجدادي يعلقون فيها اللحم المملح، كما حدثونا.
كل هذا الذي يكتب الآن ويراجع لوظيفة بيتية قبل أكثرمن ثلاثين عاما آه… لقد تغيرت الدنيا كثير في الثلاثين عاما المنصرمة، لكن التصاقي بهذه الذكريات لا زالت قائمة رغم غياب البيت والغرفتين الاسمنتيتن وتشيد بيتا كبيرا مكانهما.

السابق
حيرة
التالي
الجامعة..

اترك تعليقاً