القصة القصيرة

الحالة 402

دائما ما كنت اكره الاوراق ؛ خاصة تلك الاوراق التي تحاول ان تحكي قصه انسان ؛او تحكم عليه ؛ او تختزله ؛ كانما تغتال ذلك الانسان فى سطورقليلة ميتة ؛ لكن بحكم عملي على تصفح كثير منها كل يوم ؛ كلما امسكت باحد التقارير اتسأل ؛ كيف تختصر ورقة حياة انسان ؛ كيف تختزال مشاعره و احلامه و اماله ورقة صغيرة ؛ تضم كلمات قليلة و بضع توقيعات و ثم الرمز السحرللسلطة ختم النسرالازرق ؛ افكار كانت تتصارع معى اثناء قراءة الكلامات التى احتوتها التقرير …
تقرير عرض حالة 402
السيد الطبيب الاستشارى الامراض النفسية و العصبية بمستشفى العامرية العام معروض على سيادتكم السيد / عبد المتجلى شاهين للعرض و ابادا الراى بشأن حالته النفسية العصبية و مدى تاثيرها على الاداء و العمل المنوط به القيام به ؛ برجاء كتبتة الراى بتقرير حسب الاصوال المرعاية
وضعت الورقة على ملف اصفر قديم يضم كم كبير من الاوراق تحوى تحقيقات الشئون القانونية بوزارة التعليم حول الاستاذ عبد المتجلى شاهين ؛ كانت الاوراق كثيرة و باسباب متعددة ؛ كثير الشكوى ؛ يقدم شكوى كيدية فى رؤسائه ؛ دائم الشكوى يقدم شكاوي فى زملائي تم التحقيق معهم من قبل اكثر من محقق ويتهمهم بانهم منحازون ضده ويشك المحققون و الرؤساء باصابته بالوسواس القهري او مرض الاظطهاد .
التفت الى عم على مساعدى فى العيادة و وضعت نظارتى على المكتب المقابل و بينما انطلقت منى صوت هو خليط من التثائب و الكلام
ـ دحل الحالة 402 يا عم على و لو سمحت اطلب لى قهوة زيادة
دخل الحالة 402 .. ان تختزال انسان فى حالة و ان تختزل الحالة فى رقم ؛ هذا يساعدنا كأطباء ان نتعامل مع المرضى على انهم اشياء ؛ يمنعنا من التعاطف و التاثر بهم يحمى جهازنا العصبى و النفسى من التاثر بألأمهم و معانتهم ؛ هكذا قال لنا الدكتور سمير فى الكلية الطب ,,فالانسان و المادة شىء وحد تسيرهما ذات القواعد و تطيق عليهم ذات المنهج البحثية
كان عبد المتجلى طويلا نحيفا مهندم الملابس رغم بساطتها قميص بنى فاتح و بنطلون بنى غامق ؛ بعض الشعر الابيض بدا يظهر فى راسه ؛ كان يبدو اربعينى ان ظهر اصغر من هذا ..اشرت له بجلوس على الكراسى ..ثم قالت له بلهجة روتنية ..
ـ ما الموضوع يا استاذ عبد المتجلى ؟
ـ خير ان شاء الله ؛ مفيش موضوع اساسا
ـ عندى هنا كم كبير من التحقيقات و الشكاوى للغاية ما تم ارسالك لنا تعرف الجواب التحويل بيقول ايه ؟
ـ بيقول ايه يا دكتور ؟
ـ بيقول انك عندك شعور بالاضظهاد و انك مختل نفسيا
ـ لازم يقولوا كده لكن حضرتك شيفنى مختل
ـ اسف بس ده شغلى ..ليه لازم يقول بتقصد ايه
اقولك …فى يوم من اربع سنين كانت بلعب مع ابنى كورة .. الكورة جرت شوية .. طلعت على الشارع جرى ابنى عليها .. و كانت فى عربية .. و ربنا افتكره ..
ـ اسف ان اكون فكرت بامر مؤلم
ـ ابدا ده امر الله .. سعتها شعرت ان الدنيا انتهت .. ان ربنا نفسه نسانى ..ذى ما انت عار ف انا مدرس …ايام طويلة بعد الحادثة اقعدت افكر فى دنيا و ال بنعلمه فيها و لما رجعت لنفسى كانت الدراسة بدات .الزملاء عزونى …و قعدوا يفكرونى بربنا…. و انى لازم اكون مؤمن ..
فى الطابور الصباح طلبت الكلمة فى الاذعة المدرسة …..
و وقفت الكل يحملق فى ؛ البعض كان عنيه تدمع على ؛
مسكت المكروفون .. و نظرت فى عيون الولاد كانما بنظر فى عيون ابنى ؛ و قالت
ـ ولادى .خاصة طلاب الثانوية العامة ….كنت بعتبركم ديما ولادى .. و لو ربنا افتكر ابنى .. فربنا اعطنى عشرات الاولاد ال هم انتم ..المدرسين بدئوا بعضهم يبكى خاصة المدرسات .. و فتشجعت و كملت الكلام ..و طبعا لانكم ولادى لازم تدوا بنصحتى ..من ابوكم ال بيحبكم ..
محدش يصدق كلام معلم بيقولوا خد درس علشان تنجح ..و يفرض دروس بالالاف الجنيهات عليك علشان تجيب مجموع .. مصدقش انك بتتعلم انت بتحفظ علشان الامتحان .. انت فى مسرحية اسمها التعليم ..ال بتعملوه هو اى شىء غير التعليم و بناء العقل .. احنا كلنا لنا دور فى المسرحية دية .. ابوك امك انت احنا كل واحد له دور فى المسرحية ال اسمها التعليم .. و هى مسرحية تعدك لمسرحيات كثير تانى لغاية ما حياتك تنتهى مسرحيات وراء مسرحيات
انطلقت صيحة كبيرة من جانب الطلاب .. و انقلب وجه المعلمين الى وجه غاضب و مندد ؛ انطلق من بعضهم صيحة استهجان .. بعض الكلامات نقلتها الرياح فى الحوش من المعلمين .. هو عوز يتوب هنا ..!!
فى الحال و بعد تلك الواقعة انقلب الجميع ضدى ؛ حاولوا فعل اى شىء ضدى ؛ من اسبوع وجدت نفسى مستدعى من قبل جهة امنية لتحقيق فى انى انقل افكار متطرفة ؛ تصور افكار متطرفة .. ؛
و عندما لم يجدوا على شىء اخترعوا امر الخلل النفسى ..
كان يحكى بلهجة الواثق الذى لا يخشى شىء ؛ كانما ضربات القدر جعلته اكثر قوة و صمود …لا يوجد فى كلام الرجل او ظاهره ما يدل على اى خلل هكذا حاولت ان اسأله
ـ الطبيعة البشر دائما الة تسعى للمنفعة يا استاذ عبد المتجلى ؛ و هى قطار قاهر يفرم من يعترضه دون رحمة
ـ ثم ماذا الانسان ما هو الا قضية ؛ ما هو الا شىء يمكن ان ينتهى فى لحظة و تبقى القضية التى يؤمن بها ؛و انا ارى فى هؤلاء الطلاب و تعليمهم و مستقبلهم قضيتى ؛ لما حاولت اقولهم جزء من الحقيقية اصبحت مختل ..
ـ ربنا معك يا استاذ عبد المتجلى
لم اجد شىء اقوم به سوى ان اوقع على التقرير الحالة بانه بكامل قوة العقلية و لا يعانى من اى اعراض مرضية نفسية عصبية .. شكرنى الرجل و اعطنى رقم تلفونه
؛ ودعنى الرجل و شد على يدى مبتسما .و رحل و شربت القهوة
و وضعت ورقة التقرير النهائى ضمن تقرير الرجل و رحلت ؛ فى السنوات التالية عرفت ان الرجل تحول الى الانعزال عن الناس و الجلوس فى المساجد ؛ و عرفت المسجد الذى يجلس فيه ؛ بعد صلاة وحدته منعزلا فى احد جوانب المسجد ؛ اقتربت منه م قالت له مواسيا
الانقياء لا يتحملون البقاء طويلا.فيموتون فى صمت .فى هذا العالم الملوث لا مكان للانقياء
نظر لى و ابتسم و هو يقول من قال لك اننا لم اجد راحتى و سعادتى هنا ؛ من قال لك اننى نمن الانقياء ؛ ربما السعادة فى التجرد و الزهد ؛ ربما يعدنا الله بالم لنكون افضل و اقرب له
حقا لا يمكن ان تختزل انسان فى ورقة او حالة او رقم..فالانسان ليس شىء ؛ من يومها تغيرت الى الابد ؛ و لم اعج اثق فى ما تعلمته فى كلية الطب او على يد الدكتور سمير شكر لك يا عبد المتجلى

السابق
الحلم
التالي
الحطاب وأميرة البحيرة

اترك تعليقاً