القصة القصيرة جدا

مواجهة

حين تقرأ لافتة: احترس من الكلاب على أحد الأسوار، يتبادر إلى ذهنك أنَّ وراء السور واحدًا أو أكثر من الكلاب المتوحشة الضخمة، التي صارت تربيتها لدي بعض الناس، أولى من تربية الأطفال، فتبتعد في حذر، مؤثرًا السلامة، دون أن تغامر بمواجهة أنياب شرسة أو براثن فاتكة.
أما أنا فحتى الجِراء الصغيرة لم أعد أستلطفها، أو آمن جانبها، بعد أن نبحني كلبٌ صغير ذات صباح، فلم آبه له، ونظرت إليه هازئًا، مادًا يدي بقطعة خبزٍ تصادف وجودها في كيس معي، أتألفه بها، وإذا بأمه التي لم أفطن إلى وجودها، تكشِّر عن أنيابها وتهجم على يدي تكاد تأكلها، جريتُ فزعًا كما لم أجرِ في حياتي من قبل، وورائي جيشٌ من الكلاب لا أدري من أين نبت فجأة، جاء يجامل على حسابي صغارُه وكبارُه.
طوردتُ كما يطارد لصٌّ أثيم ضبط متلبسًا بسرقة مسجد، والكلاب تجدُّ في أثري بإصرار عجيب، وتزداد شراسة وكثرة ككرة الثلج المتدحرجة، لم أصدق أنني نجوتُ حتى وطِئتْ قدماي عتبة داري، وأوصدتُ الباب الحديدي خلفي، وبدأت الكلاب بالتراجع والتفرق، وقد أحنقها إفلاتُ طريدتها من بين أنيابها، بعد أن باتت قاب قوسين أو أدنى من الظَّفر بها.
وقفت ألتقط أنفاسي، قبل أن أستأنف صعود درجات الردهة، وأضغط الزر طالبًا المصعد. داخل المصعد استقبلني ابن جاري الصغير بابتسامة ودودة، وفي يده حزام جلدي أنيق ينتهي بكلب في مثل حجمه، يتدلى من فمه اللاهث لسانٌ طويل، وتلمع عيناه بنظرات غير مريحة، أهداه إياه أبوه بمناسبة نجاحه في الإعدادية. الكلب المكمم ظل هادئًا لعدة دقائق، لكنه خرج عن رزانته بعد أن تعطل بنا المصعد.

السابق
نزوة…
التالي
عرس

اترك تعليقاً