القصة القصيرة جدا

هجومٌ مسائي

بهدوء يضغط زر التشغيل، يحدَّق في الشاشة مليًّا، يفتح ملفًا جديدًا، يفرد أصابع يديه على لوحة المفاتيح كجناحي طائر، يكتب عدة جمل، يعود فيمسحها، يكرر هذا عدة مرات، يحدَّق من جديد في الملف الفارغ. أخيرًا يُطفئ الجهاز.
توجه للمطبخ، عاد يحمل قدحًا من القهوة، أضاع قدحه السابق بعد فوران القهوة. أحضر قلمه وأوراقه، تطلع إلى الفراغ القاتم عبر زجاج النافذة، سوَّد الصفحة الأولى، عاد فكرمشها، ألقاها في جوف السلة النهمة القابعة بجواره، رويدًا تناقصت الأوراق أمامه، امتلأ جوف السلة، أفزعه رنين الهاتف الأرضي، اتصال خاطئ من مجهول، تحسَّر على القهوة التي بردت.
سرح في أحداث الصباح، أغضبه صديقه الذي أفسد جولته السياحية. لم يحضر في الموعد لوعكة مفاجئة. مشى وحده يتأمل انعكاس زرقة السماء على صفحة النهر، لمعان الذهب على واجهات المحلات، اختلاط أصوات الباعة والشباب المتسكعين. فجأة اتشح الجو بالسواد، حجبت الغيوم وجه الشمس، صبت السماء مياهها لتغسل الأحياء والجمادات. اضطر إلى العودة مبلولًا.
عاد للكتابة على الشاشة. دقَّ جرس الباب. عامل البيتزا يسأل عن عنوان. يشير للدور الأعلى بغيظ.، يغلق الباب حانقًا. يطارد الهرَّ الذي تسلل للشقة. يمسكه بعد عناء. يدفع به للخارج، يعود للحمام مسرعًا. يغسل يديه بعناية، يجففهما في شرود. يفركهما بشدة. يعاود الجلوس أمام الجهاز، يسمع حركة خفيفة.
يرنو للباب المفتوح بغيظ. يتحرك ليغلقه، يقطع عليه الطريق شبح متشح بالسواد، يعاجله بلكمة تسقطه أرضًا، ينهض ليجد الشبح قد أصبح ثلاثة، بحنكة يتفادى لكمة الأول ويركل الثاني ويدفع رأسه في بطن الثالث، يكرُّ على الأول فيلوي ذراعه وينتزع منه السكين، يطعن الأول الذي عاد لمهاجمته، يسقط الشبح مضرجًا بدمائه، يفر صاحباه من حيث أتيا.
يوثق اللصَّ الجريح، يتصل بالشرطة، يصلون بعد دقائق، يلقون القبض على اللص، يعترف ويدلهم على شريكيه، يشكره الضابط، يطلب منه موافاتهم في الغد لاستكمال التحقيق. تنصرف الشرطة.
بحسرة يتحسس جرحه الدامي، يعود إلى أوراقه الحمراء فيمزقها، ويرمي الشاشة أرضًا.

السابق
لعبتي
التالي
مُداهَنَة

اترك تعليقاً