القصة القصيرة جدا

أحزان خضراء

في بلد شقيق ..تتحدّث نفس اللغة، ترتدي نفس الثّياب، تهتم بنفس الهموم، تدين بذات القرآن واﻹنجيل، لهم نفس العروبة المكلومة، والشظايا المبذورة في نهود العذارى وقلوب اﻵباء وأُمهات الحزن واﻷلم.
خرج صباحاً يُشمّر عن سواعدِه النازفة، وينفض عن ملابسِه رائحة الدم وغبار الخزي والاستكانة، ويرتدي قبعة العمل مُشرقةً على جبهته المُتحفّزة للصباح، ويحمل فأسه ويهمّ في صحراء بعدت قليلاً عن السّاحة لتغرس يمينه شجرة اﻷمل مرويةً بعرقِه الممزوج بدماء اخوته وذويه وعليها اسم من أحب، غرس واحدة هنا وفرح، فمضى وعانق اﻷرض فحنّت فاتحةً رحمها له فغرس ثانية وثالثة وراح يسمّي كل شجرة باسم عزيز لديه من أحباء وأقرباء حتى صار القفر بُستاناً، وابتهجت الرمال الصفراء بلون اﻷمل اﻷخضر وأسماء الحب.
نظر لساعدِه فسره اختفاء اﻷلم وتوارت آثار الشظايا فوق الوريد وتفجّرت منه نبضات السعادةِ واﻷمل على أوراق تلك الشجيرات وراح يُقبّل جذع كل واحدة مُنادياً عليها باسم صاحبها كما لعاشقٍ يُعانق فتاتَه.
وفي صباح اليوم الثاني ارتسمت على وجهه أسارير النّهَم لهذه الفأس وتلك اﻷرض وأشجار جديدة؛ فشمّر، ونفض، وارتدى، وجمل الفأس، ورفع رأسه إلى السماء داعياً .. لكن لم يُنزلها ضارباً اﻷرض إذ جثم على كتفه همّ أعتى من جبل الهزيمة وأقسى من دانات المدافع !
إنه الشرطي الذي يصيح في وجهه:
كيف تغرس تلك اﻷشجار دون تصريح؟!
وهل تحتاج زراعة اﻷمل إلى تصريح؟!!!
سقط الفأس من خيبته وتندت اﻷرض من عرق حزنه، وعاد الوريد أدراجه، والتهب مكان الشظية؛ فتخضّبت الرمال من جام غضبِه؛ وعقد اﻷحباء العزم على غرس سنديان عروبتهم.

السابق
تمثيل
التالي
خائن

اترك تعليقاً