القصة القصيرة

أنا والملتزمة

أنا و “الملتزمة”
عبدالسلام المساتي
عند العاشرة والنصف ليلا أخذنا الطاكسي نحو الحي السكني التابع للمعهد العالي حيث تدرس وتقطن،كان يتواجد على بعد أربعة أميال من وسط المدينة..اعتدت أن أرافقها إلى هناك أيام السبت حيث نقضي اليوم سويا, أوصلها لباب الحي وأعود أدراجي على متن نفس الطاكسي بعدما أطمئن على أن الحارس المكلف بالباب سمح لها بالدخول،فقد كانت القوانين الداخلية لا تسمح للطالبات بالدخول بعد التاسعة ليلا إلا بعد الاتصال بأولياء أمورهن وإخطارهم بتأخر بناتهن في العودة .ولأتجاوز هذا العائق تمكنت من كسب ود الحارس بلعبة سجائر “الماركيز” و عشرين درهما كل شهر،جعلته بذلك يتحول لصديق ودود يتغاضى عن عودتها المتأخرة أو حتى عدم عودتها ،وإذا ما حدث طارئ فإنه يتصل لاعلامنا.
هذه الليلة لم أعد للمنزل بنفس الطاكسي ،كنت أحتاج لأحدثها وسط هذا الهدوء بعيدا عن ضجيج المدينة رغم الطقس البارد جدا،كان بداخلي أشياء كثيرة تؤرقني ..طلبت منها أن نقف قليلا بجانب الجدار على بعد أمتار من باب المسكن ،أمسكت يدي وسحبتني إلى هناك :
– what’s the matter with you Abdou,you look unhappy?? مالك عبدو،كتبان مفرحنش؟
– I wanna confess something .بغيت نعترفلك بواحد الحاجة.
كنت قد اعتدت التحدث معها بالانجليزية تلبية لطلبها قبل سنتين،إلا أن في بعض المواقف تتيه منا جميع اللغات ولا نستحضر إلا كلماتنا العامية.
– شنو كاين عبدو؟باش باغي تعترف؟؟
– خنتك..
لم تتركني أسترسل،مدت يدها مغلقة فمي،عانقتني بشدة،طبعت قبلة على خدي الأيسر..وغادرت في صمت..كنت أنوي إخبارها أني خنتها مرة واحدة فقط مع ابنة عمها خطيبة شقيقها،وأنه مذ ذلك الحين صرت تائها وغير قادر على التطلع لنفسي بالمرآة،فقدت احترامي لنفسي وتحولت لمذنب يطعنه ضميره كل يوم عشرات المرات، ربما ليس وفاء لحبي لها،لا أدري إن كنت أحبها..كنت أحترمها،كنت أحترم تضحيتها من أجلي،أحترم مغادرتها مدينتها البعيدة لتلتحق بي في مدينتي وهي لم تتجاوز الثامنة عشرة،متحججة بكون الشعبة التي تريد أن تتسجل بها لا توجد إلا بهذه المدينة،كانت إحدى شعب الهندسة،أدركت لاحقا أنه يتم تدريسها أيضا بوجدة،والرباط،والقنيطرة..كان اختيارها لحضني بديلا عن حضن أمها وشقيقتها دافع آخر لضميري كي يطعنني أكثر كل ليلة على خطيئة الخيانة..لم يكن الاعتراف خيارا،كان تخليصا لنفسي من جحيمي.
في صباح اليوم الموالي،اتصلت بها عديد المرات إلا أن هاتفها ظل خارج الخدمة طوال اليوم،مما اضطرني للاتصال بزميلتها التي تتشارك معها نفس الغرفة وأيضا نفس الصف،لم ترد على اتصالي بالمرة الأولى لكنها فعلت بالمرة الثانية،بدا صوتها منزعجا:
– ما فعلته لا يمت للرجولة بصلة.
-أين هي؟
– ولم تسأل بعد الذي فعلته؟!
-أين هي؟
– غادرت فاس وللأبد..
– ماذا تقولين؟!
-لقد غادرت صباح اليوم..كانت حزينة جدا، ظلت تبكي طوال الليل ولم تنم..حاولت منعها لكنها كانت مصممة..
– ولكن ماذا عن دراستها؟؟
كنت أتمنى أن أسألها” ولكن ماذا عني؟”لكن اللحظة ما كانت تسمح..
– صباح اليوم سحبت وثائقها الادارية متحججة بظروف عائلية طارئة وغادرت.
-وماذا عن هاتفها؟
– غيرت رقمه.
-أريده .
-لا أستطيع ولا تستحقه.
-أرجوك.
-وداعا..
قطعت الاتصال،حاولت معاودته لكنها لا ترد..أحسست حينها بدوار غريب وجالت بمخيلتي لحظات كثيرة،ذكرياتنا،تيهنا،وتمردنا..جالت بمخيلتي أفكار متناقضة عما يجب أن أفعله..أعود للبيت وأنسى كل شيء؟ أبعث لها رسالة اعتذار عبر بريدها الالكتروني وأنتهي؟؟
لم أفعل لا هذا ولا ذاك،أخذت أول قطار متجه نحو مدينتها،وصلت هناك عند العاشرة والنصف صباحا،لم أكن أعرف شيئا عن هذه المدينة لذلك جلست بمقهى المحطة ،وحاولت الاتصال بزميلتها من جديد لكن دون جدوى..ففكرت ببعث رسالة نصية لها،أخبرتها فيها أني الآن أتواجد بمدينة زميلتها،ترجيتها أن تبعث لي برقم هاتفها لأني أحتاج جدا للقائها…بعد دقائق وصلني ردها :” … هذا رقم هاتفها،أتمنى لك حظا سعيدا”
لم أتردد ،اتصلت بها دون أن أظهر رقمي،وبعد رنتين،جاءني صوتها ليس كما اعتدته :
– ألسلام عليكم،شكون معي؟
– لا تقطعي الاتصال أرجوك،أنا عبدو،أنا أجلس الآن بمقهى محطة القطار في مدينتك،أنتظرك،أحتاج لمحادثتك بشدة،اعتبريها مرة أخيرة ولن تري وجهي بعدها..أرجوك لا تحرميني رؤيتك.
– سأكون هناك بعد ساعة..انتظرني.
– شكرا.
بعد ساعة وبضع دقائق،شاهدتها تدخل باب المقهى،كان شكلها مختلفا تماما،ترتدي تنورة فضفاضة تصل أسفل قدميها،وتضع حجابا على رأسها،وجهها يبدو شاحبا جدا…قمت واقفا،ومددت يدي لأسلم عليها لكنها لم تفعل المثل،ألقت علي سلاما شفهيا وجلست،اندهشت لتصرفها واعتقدت أنها ماتزال غاضبة لا غير..لم تنظر أبدا في عيني.
– How are you Amina?
– لم أحضر إلى هنا لتسألني عن حالي ،سأقول ما جئت لأجله وسأغادر.
– تفضلي.
-خصك تعرف بلي هذه الجلسة معك هنا حرام،داكشي علاش غنختصر هدرتي ونوض نمشي.
كانت تتكلم بصرامة لم أعهدها فيها،وكأنها ليست هي التي عرفتها لسنوات ثلاث..برغم ذلك تركتها تسترسل دون أن أقاطعها.
– شكرا لأنك أيقظتني من غفلتي،وأعدتني لطريق الحق سيدي،فعلتك أعادت لي عفتي..أنا كنت مجرد شيئ،مجرد جسد يركض خلف شهواته التي أسميتها حبا..شكرا على خيانتك لأنها جعلتني أدرك أني أخون اسرتي،أخون ديني،أخون شرفي،أخون عزتي..سعادتي أن أرعى أمي وألتزم بديني،حتى الدراسة سأتركها لأنها منبع للخطيئة باختلاطنا المحرم..سأتعلم في منزلنا وأنتظر نصيبي في زوج صالح يحفظ كرامتي وديني…
ظلت تتحدث هكذا كثيرا وأنا أنظر إليها مشدوها غير مستوعب لهذا الانقلاب السريع،وكانها ليست هي التي حضننتي وطبعت قبلة على خدي قبل يوم واحد..لم أدرك حينها أنها كانت قبلة التوبة..
– أتمنى ألا أراك ثانية أخي عبدالسلام ،حاول أن تعود لطريق الصواب.
رحلت…

السابق
هَـــواجس
التالي
الذات والموضوع…. وأصل الحكاية..

اترك تعليقاً