القصة السلسة

أنا وزوجتي تفيدة (25)

This entry is part [part not set] of 34 in the series أنا وزوجتي تفيدة

كنا في شهر رمضان المبارك، وتحديدا في النصف الثاني منه، وصممت تفيدة أن تقيم حفل إفطار رمضاني فخم للعائلة والأصدقاء المقربين، أفخم من ذلك الإفطار الذي دعتنا إليه شقيقتي سعيدة وزوجها راضي شقيق تفيدة المغلوب على أمره مثلي تماما، وعبثا حاولت إقناعها أن ميزانيتي لا تسمح بذلك البذخ وأن نصف رمضان الأول قد أتى على جل مدخراتي، ولم نشتر ملابس العيد بعد ولم نخرج زكاة الفطر ولم ندفع فاتورة الكهرباء، وبالطبع لم أجرؤ أن أخبرها أن نفسها في الطبيخ زفت، وأنها لا تجيد إلا سلق البيض تقريبا وأن حياتنا كلها دليڤري وتيك أوي، ولكني قلت لها برقة ومداهنة:
… حبيبتي أنت لا تتحملين وقفة المطبخ الطويلة.
لم ترد تفيدة علي،لكنها حدجتني بنظرة نارية معناها:
…أنا أفهمك وأعلم تماما ما تفكر فيه وأعرف أيضا وجهة نظرك في طبيخي.
المهم طبعا ومثل كل مرة فشلت كل وسائلي في إقناع تفيدة في العدول عن قرارها بل وحددت ميعاد حفل الإفطار بعد يومين فقط من إعلانها عن أوامرها، وفي اليوم التالي وأنا خارج إلى عملي أعطتني تفيدة كشفا جهزته لطلبات ذلك اليوم، حمام ولحم وفراخ وبط ورومي وخضار ولحم بفتيك وبانيه وخضار وسمك ووووووووو…..ولأنني رجل عبيط لا أفهم في عزومات الزمن الحديث ولا إتيكيت حفلات الإفطار، مثلما ستخبرني تفيدة بعد أن لفت نظري في كشفها وجود السمك بين الطلبات، وسألت تفيدة على استحياء:
…وهو السمك ينفع مع اللحوم والطيور على سفرة واحدة يا حبيبتي؟
ونظرت لي تفيدة نظراتها الساخرة المعتادة وهي تقول:
…واش عرفك انت في الحفلات، وايه دخلك في شغل النسوان…دايما حاشر مناخيرك في كل حاجة، دا أوبن بوفيه يا سي نيلة عارف يعني إيه أوبن بوفيه…شغل فنادق يعني…معذور ما انت عمرك ما دخلت فنادق(قال يعني المرحوم أبوها كان بيغديها في الهليتون ويعشيها في الشيراتون؟) يعني يا أفندي اللي مبيحبش اللحمة والفراخ يروح جعان؟…طبعا لا ….يبقى يأكل سمك…فهمت يا بلوة عمري ولا نقول كمان.
وانتهت تفيدة من وصلة ردحها، وطبعا أنا فهمت حتى ولو لم أكن فهمت ولم أجرؤ على أي استفسار ٱخر وخرجت انفذ كل ما أمرتني به تفيدة، ولأنني رأيت كثرة الطلبات أخذت اليوم عارضة من الشغل وذهبت إلى السوق، قضيت ساعات في الشراء والتبضع، ثم عدت إلى البيت لاهثا حاملا لتفيدتي كل ما طلبته مني، ووقفت أمامها مثل التلميذ الخائف أمام معلمه، أن يكون عنده خطأ في مسألة طلب منه حلها، تفيدة تحصى المشتريات، وأنا اسألها:
…كله تمام؟
وهي تقول لي:
…استنى شوية
وانتظرت ما يقرب من عشرين شوية حتى أطلقت تفيدة سراحي وهي تقول ساخرة:
…تمام بس ديك الرومي ماله مسلوع كدا زيك تكونش أمه فطمته بدري؟
وبالطبع جاوبها صمتي وسارعت إلى غرفتي لأنام، فقد كان اليوم شديد الحرارة وأرهقتني جدا طلبات تفيدة حتى تسوقتها كلها، وجف الماء من جسدي الذي جعله الصوم غاية في الإرهاق، وألقيت نفسي على السرير وأنا أدعو عليها في سري، مرعوبا أن تخبرها المخدة بدعائي عليها.
وجاء يوم الحفل، وعدت من عملي وتفيدة في المطبخ، لفت نظري أنها والبنات مشغولات بعمل حلة محشي يتيمة، لم أجرؤ على مجرد سؤالها، أين بقية الطعام؟
فالمسؤولية مسؤوليتها والبيت بيتها والمطبخ مطبخها، دخلت غرفتي لأنام ساعة أو إثنتين قبل أن يأتي الضيوف، لم أنم أكثر من نصف ساعة، حتى سمعت طرقات على الباب وكانت الصدمة الكبرى لي.
وقمت من نومي مفزوعا، ظننت أن الضيوف قد حضروا وأنا ما زلت نائما وهذه وحدها مصيبه ومعناها حفلة توبيخ وتهزيق من تفيدة، ارتديت ملابسي على عجل وخرجت، وجدت أمام الباب عمال الدليفري، التابعين لأحد المطاعم الشهيرة في وسط البلد يحملون أنواعا وكميات هائلة من الطعام، فغرت فمي مندهشا، أين ذهب الطعام الذي اشتريته لتفيدة لتطبخه؟ كان السؤال همسا في سري، والعمال يقدمون لي الفاتورة، أخبرتهم أن النقدية معي لا تكفي، أخبروني أن الهانم أخبرتهم بذلك وأنهم أحضروا معهم ماكينة الدفع الٱلي وأن حضرتي يمكنني أن أدفع بالفيزا، وطبعا دفعت بالفيزا وعين تضحك وأخرى تبكي كما يقولون، ولم أجرؤ أيضا على مناقشة تفيدة، بل سارعت أنا والأولاد لتنفيذ طلبها برص الطعام على السفرة وإخفاء كل أثر يفيد أن الطعام دليفري.
وجاء الضيوف وأذن المغرب وتناولنا الإفطار وسط إشادة كل الحضور بتفيدة وطعام تفيدة وذوق تفيدة، الضيوف بالفعل أتوا على كل الطعام ما عدا حلة المحشي التي بقيت كما هي،
المهم أن الحفل انتهى على خير….أو هكذا ظننت….إذ أنه بعد أن فرغ البيت علينا أنا وتفيدتي الغالية فوجئت بها تقترب مني وتقول لي بصوت يفيض رقة وحنانا:
…شوفت يا حبيبي الضيوف كانوا هيتهبلوا على أكلي إزاي؟
قلت لها وأنا أحاول كتم إحساسي الحقيقي:
…تسلم إيدك يا حبيبتي
فواصلت:
..شفت أختك سعيدة كانت ها تتفرس إزاي والناس بتشكر في أكلي؟
وأنا اكز على أسناني قلت:
…شفت
واسترسلت تفيدة:
…أنا ها أكيدها اكتر وأكتر وأعمال قناة على اليوتيوب أعلم الناس فيها الطبخ…العالم كله هياكل أكل تفيدة
في البداية لم استوعب ما تقوله، أوشكت أن أقول لها طبخ إيه يا تفيدة اللي ها تعلميه للناس؟ دا احنا دافنينه سوى
لكنني خفت ووجدتني أقول لها :
…اللي تشوفيه يا حبيبتي
وامتلأ وجهها بالسعادة والفخر وهي تقول لي:
…يبقى بكرة يا حبيبي تجيب العمال والصنايعية عشان نحول المطبخ بتاعنا أمريكاني عشان دا هيظهر في القناة
وبكل خضوع واستسلام قلت لها:
…حاضر
لست أدري لماذا شعرت بالسعادة بعد أن نفذت لتفيدة كل طلباتها، فلم أعد أنا وحدي المبتلى بتفيدة، وطلة تفيدة، فالعالم كله الٱن يعاني منها ومن قناة طبخها.

تصفح السلسلة
السابق
اعتراض
التالي
خنوع

اترك تعليقاً