القصة القصيرة

أيّتها المرأة الموسومة بالخرف…

أّمّا اليوم، فلم يعد لديك الوقت الكافي لتعلّقي على جدران المدينة أوراقك الكثيرة وثرثرتك عن داحس والغبراء، لا معنى لكلّ ذلك، لأنّ الدّبابة والطّائرة النفّاثة والحاسوب المذهل، والكتاب الاليكتروني، قد أبطلت مفعولها وتجاوزتها، وما تعتقدينه الآن، أصبح على مرأى من الجميع، وما ترسمينه من أشكال غريبة، وبلا ألوان، فضحته فاتحة السّماء وفيضانات المحيطات، وبراكين أقصى آسيا، وأعاصير أمريكا المشاكسة، رأوك ذات يوم هائمة في ساحات عموميّة، و من حولك تقرع الطبول وتعزف الألحان بشكل لا مثيل له، وكانوا جميعا يدركون ما في بيت مسيلمة، وما بقي من هذا وذاك قد ارتوى وانتشى بحديثهم، وأنتِ مازلت بينهم تلوّحين بمنديلك الأحمر جيئة وذهابا إلى أن أعياك الرّقص وغلبك النّعاس، وأضناك التفكير في مصير ضيعة أهل البادية، ففاحت من تحتك أقاويل محرجة، شديدة الحموضة، وكنت تتكلّمين بلهجة المنكسر، المدّعي، المنكسر في كلّ شيء، حصيلة عمر طويل من التفكير في الصّعود إلى غرفة الطابق الأعلى، بالنسبة لهم، كان انطباعا سخيفا، في ذلك البيت، لأنّك استعملت السّلّم العادي ونسيت أنّ هناك مصعدا مريحا، لم تنتبهي له، أخذ فمنك وقتا طويلا، واستغرق لهثك ما يساوي وزن آلاف البراميل أيّتها المرأة الخرفة، ورحت تُحصين عدد الدرجات، واستمرّ بك العدّ إلى أن وصلت إلى الطّابق المحظور، وكان يومها الباب مقفلا باحكام، اصطدمت به، لأنّك كنت مطأطأة الرّأس عند عدّك لدرجات السّلم، فكان لك بمثابة المنبّه، طرقت الباب عديد المرّات، لم يسمعك أحدّ، لم تفلحي، أصابك شكّ، حاولت تذكّر تعداد الدرجات، عجزت، عُدّت إلى العدّ مرة أخرى نزولا، شعرت بالملل، أبطأت النّهاية، ولم يكن الالتباس سهلا، كان عليك التوقّف وقراءة بعض ما تيسّر من تراتيل الحكاية القديمة، لأنّ هذا الالتباس قد يكون مسّا، لأنّك مثل المجنون تلتفتين يمنة ويسرة وبسرعة شديدة، حاولت توثيق بعض الأفكار المنفلتة، أو ما يشبه سيارة ملعونة توقّفت عن السّير أرعبها اصرارك على العدّ والالتفات، تعاني عطلا مجهولا وتحتاج إلى دفع قويّ، في هذا المكان المظلم، الذي أدخلك في متاهة الأرقام، لقد أوشك اللّيل على الانتهاء ولكن هذه المرّة ببطء، فقضّيت ليلك كسيزيف، وكنت تسمعين أصواتا من وراء الجدران، من حين لآخر تتنصّتين، فتصلك مشوّهة ومتشابهة،…لم تنتبهي لحالك أيضا، ولا لما بقي على جسمك المنهك، عندما حلّ الصّباح وكثر وقع الأحذيّة واختلطت أصوات النّساء بالرّجال عبر ممرّ المكان الذي كنت تضايقينهم بوجودك النّشاز، لما كانوا يصعدون وينزلون، تظاهرت باستعمال مطّهر لأذنيك المتّسختين، لم ترتح ضمائرهم لذلك المنظر، فتجاوزوا قلقك ومكوثك في منتصف الطّريق…فكّرت أنت في مكان آخر مشابه له، فكانت حيلتهم أسبق في إظهار شفقتهم عليك، حينما منحوك سترة تتدثّرين بها في نزولك إلى باب المخرج، الذي اعتقدت أنّه مدخل لك أنت أيضا…أيّتها المرأة الموسومة بالخرف…

السابق
منى..
التالي
احتفال مختلف

اترك تعليقاً