القصة القصيرة جدا

إشراقة

يصل إلى مسامعى قليل من فيض عبيرها الأخاذ ..
ألتقط فى حنو ما تبقى عالقًا منه بأذرع مفرودة ناحية قرص الشمس الذهبى .
أستقبل برحابة صدر إشراقة يوم جديد ..
يتواكب داخل أوردتى بعض من رذاذ قلبها المفعم بالحيـاة .
تـنحدر رويدًا رويدًا صوب أبواب العضو الضخاخ .
تتوحد فيَّ حينًا ..
أزداد نماءً ..
يدخل فى كل جزئيات البناء الطينى همس خطاها ..
فينهمر السيل فينا رقيقًا .
نفيض سويًّا في أرقِّ حياة .
ثلاثون عامًا ..
و الحكايا العديدة – حلوها و مرها – لا ينقطع لها وتين بيننا طول الوقت .
أفراح و انكسارات لا تدوم كما الحياة .
نتأرجح مع زقزقات عصافير الجنة وقت الشروق صعودًا و هبوطًا بجو الفضاء الفسيح ، و كثيرًا ما نصاب بحالات من الإخفاق الذريع .
نغيب بعيدًا عن مضارب الحى لأسباب متعددة ، و لكننا أبدًا لم نفقد الوعى .
ننسج مع الأمواج المتلاطمة ، و العابرة ، غلالة من ضوء براق ..
ربما يكون خافتًا فى ظل العروش القابعة فوق أكتافنا الهزيلة و بياض أعيننا الحوراء ..
نحلم كما نشاء ، و هم يؤمنون كل المخارج و المداخل .
تلفنا ترانيم الفجر فى حجر أبناء الذوات ، و أزيز تروس (المكن) الدوار يغرقنا فى كوابيس بعض رجال الأعمال المنحطة ، و عبق الأفراح الصيفية النافذة إلى جذور الأرض الحبلى تنفذ إلى دبيب النفس البشريّة السّوية .
ينفك فؤادى بآهات النوح .. كل الوقت ..
أتوق لنظم بعض الكلمات الوضاءة فى صفحات صفراء بمداد أزرق ، و أصيغ من الهدم بناءًا وثّابًا ، كى يستقيم ميزان العدل..
أرتحل عنقودًا حجريًّا .. أطـوف كل موانئ الدنيا ، و أراكِ يا عفراء الشوق وعاءًا أبديًّا يحتضن الباكى الشاكى .
تندمل فى التوِّ بعض جراحى المتقدة فى نصف مخيخى الخلفى .
أستلقى معصوب الوجدان مستندًا فوق سواعد كالأرض صلبة .
أتصفـح بإدراك واعٍ كل الإصدارات الأدبية .
أتذوقها بكل شغف حرفًا حرفًا .
أتجرع كل الإملاءات المغلوطة ، و أتسامح مع الإسقاطات السمجة بعـقل مفتوح .
فلسوف يكون فى السرب القادم بعض طيورى ..
يمتعنى شغفى المولع برحيق الإصدار الاول ..
أرتعد من غير حدود .. يرتج كل كيانى …
تنخلع عنى عينىّ ..
أجدنى أعدو خلف حروف متراصة .
أرقب اسمى بالخط الكوفى ..
يتغير فى الحال بياض شعر جفن عينى اليسرى ..
تتساقط من بين ضلوعى بعض الزفرات الحارة تحرق وجهى لأتأوّه كمدًا ..
يفلت منى لجام يَرَاعِى :-
من يجرؤ على محو مدادى من بين الأصلاب ؟
من يقـوى على فـض لعابى من بين الأشداق ؟
من يستطيع قص حروفى من بين الأحداق ؟؟
من .. و من … و من …. ؟

قبل أن ينفض عنى زمامى ، و يفتر منى عزمى .
سمعت من فوق مئذنة الجامع نداءات أم الأولاد ، بعدما نزعت من صدر نتيجة الحائط آخر أوراق الشهر الجارى لتؤكد أن البيت يحتاج حتمًا للمصروف الشهرى ، لمَلْءِ بطون الأبناء الجوعى ، تجرعت بكل خشوع كؤوس صبابات آلام سنوات المعاناة المرة .
على الفور أجلت ميعاد طباعة النص الأول .. المملوء بحروف تنقصها الجرأة للعام القادم .
تحولت بكل كيانى المرتج إلى كتابة القص السالف ذكره .

السابق
عبرة
التالي
صنّاعُ الفَجر

اترك تعليقاً