القصة القصيرة جدا

إنحناء باستقامة

بينما مختار يتابع المسير تحت زخات المطر،إذا بعينيه النائمتين تمتدان في إتساعِ رهيب،وشفتيه اللتين عانقتا الصمت طويلا تنفصلان لتطلقا صرخة الدهشة والنشوة لذلك الظل الغريب ، إنها الشمس خلفه تغمره بخيوطها الذهبية،فأسرع وأغلق مطاريته السوداء ،ليمتد أمام ناظريه سحر السماء ،إنه قوس قزح بألوانه البهيجة السبعة .
فقرعت خلده أسئلة تدوخ التاريخ ،تدوخ الحضارة ،
كيف لألوانٍ مختلفةٍ أن تجتمع بنظارة ؟
كيف لها رغم التقوّس والإنحناء أن تكون بهذا البهاء ؟
كيف لها أن تُولَد مِن رحم الإختلاف ومِن إئتلاف الصيف والشتاء؟
كيف لها أن تجعل الإستقامة تنحني لوحدتها بجلاء؟
يبدو أنّ الإستقامة قد أدركت أنها ليست هندسة رياضية محددة المعالم، إنما هي هندسة كل العالم لتجعل جميع الألوان تتحاور وتتجاور في السماء ، متوسلةً الشمس أن لاترحل في المساء لكي تحفظ لها البقاء .
فتُعلِّم الأرض أنْ لاتَهَن ولاتَحزن فلها الكبرياء ،فهذا المطر قد سقط من العلياء ليُطهّر الطين مِن جينات الفَوقية، ويمسح دموع المستضعَفين ،ويَستبدِل أثواب المستعبَدين ،ويَنفض عن ريش الطيور ماأثقل أجنحتها مِن أدران الرماد ،الذي جعلها تبني أعشاشها على لحد القبور.
فقرر بعدها مختار أن لايحمل المطارية السوداء ،وأن يواصل المسير على الأرض حافي القدمين، ليلامس دفأها حين تلتحف حر الشمس في كبد السماء ،وأن يرقص خلف سراجها، بيقينِ أنّ الزمن سيجري بعدالة على أبيض وأسود الجبين ،وسيجري بعدالة على من قِبلته رأس ثور ومَن ثار لأجل الدين،فتتحول كل دقائق الصمت إلى دقائق للديمقراطية .

السابق
موناليـزا
التالي
وَعَادَتْ مَرْيَمُ إِلَى بَيْتِهَا

اترك تعليقاً