القصة القصيرة جدا

الزريبة

ألقى بجيبه الأيسر ما تملكت يمينه من تمر، جيبه الأيمن لم يعد صالحا للاستعمال بعد الترقيع الرابع عشر، كلما نصبت حاكمية جديدة عمل على ترقيعه حتى أضحى معرضا لكل أنواع وألوان الخيوط، من خشن داكن إلى حريري باهت إلى صوفي فاقع.
أصدر أمره لشويهاته بمغادرة الزريبة، تسابقت تجاه المخرج، التيس أبيض اللحية كان سباقاً، قفز على موضع متهاوٍ من الشباك مستعرضاً خفة حركته أمام العنزة المتبقية من إرث الجد، عمرت طويلا وأرضعت أجيالاً من العنز والبشر على حد سواء.
دفع بعصاه في حركة بطيئة جيئة وذهابا ليبعد شياهه عن محمية القرية، كانت في البدء الذي يؤرخ به ملكا عاما مشاعا ما لبث السكان يجزئونها إلى قطع صغيرة، لكل أسرة من القرية موقعا فيه أخلاط من النبات صنوان وغير صنوان غير أن ما يوحد المنظر بهاته المحمية نبات الصبار، أهل القرية يحبون الأمور التي تأتي بعد لأي، يحبون هذا التين الشوكي، ربما لأن ثماره تدافع عن نفسها بمئات بل آلاف الأشواك، لن يتأتى لك تناول حبة التين الشوكي دون عناء.
بين الزريبة والزريبة يكدس السدر حواجز تمنع المرور عددها بعدد أسر القرية، الإمام وحده المبعد من التملك بالمحمية، ربما لأنه غريب أتى من وراء المدى الذي يبصره أهالي القرية المبصرون جدا وربما لأن الإمام الوحيد الذي يأتيه رزقه دون جهد، الكل يتقرب إليه بالملموس والمحسوس.
أعاد توجيه شياهه بعصاه وراح يتذكر محاولته مع الإمام في أن يجيز له ذبح شاة ماتت من جراء تناولها كيس بلاستيك، يتذكر الكيس جيدا فقد كان ينوي جعله جراباً.
أفتى الإمام بعدم جواز أكل لحم الميتة وهدد باستطلاع الأمر بعد عودته من زيارة سيقوم بها لـ – فوق – على حدّ قوله:
بعد عودتي من الـ – فوق – سأسأل أهل القرية، وإياك إياك إن أخبروني مخالفتك الشرع..
أستغفر الله.. أستغفر الله أن أخالف، فقد كنت أنوي أن أعطيه الفخذ لو أفتى لي بذبحها، يقول لنا دائما أن الفخذ من حق الإمام وأن لنا شحومها ولحومها.
صوته الآن يرتفع، الوقت ضحى، لم يزد عن تكبيرتين، معنى ذلك أنه يدعو صيام القرية إلى اجتماع طارئ، لا يحضر هاته الأمور المهمّة إلا من يتوجب عليه الصوم، يلف له الإمام خيطا على زنده ثم رقبته ويعلن دخوله عالم الصيام، يحق له حضور اجتماعات القرية ويدفع صاعين من الشعير أو صاعاً من القمح للإمام.
يمد عصاه مبعداً غنمه عن زريبة من الزرايب التي أصبحت تنبت كل يوم، يرفع بصره تجاه الجمع وقد بدؤوا يغادرون على عجل، الكثير من الماشية تخرج من كل مكان وحدها الوجهة ترتجف، حاول أن يسأل، الكل يسوق غنمه على عجل، أمسك بتلابيب أحد الجيران:
– ماذا حدث؟ إلى أين أنتم ذاهبون؟
في عجلة يجيبه:
– لقد قرر الإمام استباحة الزرايب، قال: لا زريبة بعد اليوم، يجب أن تكون زريبة القرية مرتعا لغنم الجميع.

السابق
رِيتمُو رُوَيْدَكِ ..أيَّتُهَا الخَدُومُ
التالي
عرب

اترك تعليقاً