القصة القصيرة جدا

الطلقـة

نظرت إليه من زاوية عيني كان يقف وكأنه تمثال ، مسمرا نظراته في تلك اللوحة التي كانت تمثل إمرأة عارية بلا رأس .. يضع إحدى يديه في جيب سرواله الأنيق ، ممسكا بالأخرى مقبض الباب نصف المفتوح ، ينتظر انصرافي ..
ضربت بكفي على فخذي وكأنني أقول ” انتهى كل شيء ”

لم يمهلني حتى أنتهي من شرح فكرتي ،بل انتزع نفسه من مقعده الوثير واتجه صوب الباب..
اعتصمت بالصمت بعد أن تصادمت أفكاري لتسقط في اللاقرار .. لم أفهم !! ربما لأنه لم يعرفن ..أو ربما لكثرة مشاغله وصعوبة فكرتي .
كانت الهواتف المزروعة على مكتبه ترن بلا توقف ، وكانت ردوده مقتضبة .. مقرفة أحيانا، لكن ما كنت أريد أن أخبره به كان غاية في الأهمية .. أعترف أنني وجدت صعوبة كبيرة في الكلام، ولكن .. السر كان خطيرا ، بل كان غاية في الخطورة يصعب تفتيته في لحظات ، وبكمية قليلة من الكلمات .
نظرت إليه من زاوية عيني كان يقف وكأنه تمثال ، مسمرا نظراته في تلك اللوحة التي كانت تمثل إمرأة عارية بلا رأس .. يضع إحدى يديه في جيب سرواله الأنيق ، ممسكا بالأخرى مقبض الباب نصف المفتوح ، ينتظر انصرافي ..
ضربت بكفي على فخذي وكأنني أقول ” انتهى كل شيء “ثم نهضت بتثاقل لأصفعه بنظرات فجرها حقد مبهم وانصرفت بخطى وئيدة .
كان الشارع قد بدأ يخلو من المارة .. حبات الظلام تتجمع في صمت ، وانطلقت أعمدة الكهرباء المزروعة على جانبي الطريق تنثر أنوارها الباهتة وبدأ الصمت يلملم أشلاءه ..
فجأة دوى صوت طلقة نارية مستعجلة يمزق ما تكتل من صمت .. أطلت الرؤوس من النوافذ ، وتجمعت الخطى لتندفع صوب الطلقة .. كنت أقف مكاني أتأمل هذه الجموع البشرية المندفعة .. ارتفعت الأصابع تشير إلي .. تكاثرت الهمسات تزاحمت .. تحولت إلى صرخات مروعة .. ” هاهو .. هاهو ، إنه هو!! ” اندفعت خطواتي على طول الطريق في سرعة محمومة ، وبقيت أعدو بلا اتجاه إلى أن تلاشت تلك الأصوات المسعورة .. أحسست بالتعب إلى درجة أنني لم أستطع أن أمد خطوة أخرى فتهالكت على الرصيف ..
ماذا كان يحدث لو تخلى لحظة عن رنين الهاتف والسيجار الذي لم يفارق شفتيه ، وتلك المرأة العارية المقطوعة الرأس واستمع إلي ؟ أما الآن فعلي أن احتفظ بالسر كطعام للديدان .
أسندت رأسي بين كفي واسترسلت في موجة بكاء حار .

السابق
حُلمٌ يتأرْجَحُ..فِي الْمَدِينَةِ
التالي
وَيَرْتحِلُ الجُرحُ

اترك تعليقاً