القصة القصيرة

الفرملة

كان صوت الساعة على غير العادة يشق الشارع الخلفي في مدينة مصابة بالترهل بعد مئات من سنين معتقة بحروب أذابت كل شيء ، وسط قرية عجوز أوروبية تمدد بوزيد على سرير لوحي في حجرة قديمة داخل —أوتيل — شعبي قديم، العمال فيه متشابهون في الطول والحجم والصمت والنظرات والحركة وهز الرأس والشعر، الشعر أكثر ما لفت اهتمام بوزيد فكان دائما يتحسس شعره الخشن المتقصف الذي يبدو باهتا مصابا بالثعلبة، جال ببصره في أنحاء الحجرة الصغيرة رأى حشرة تومض عن بعد—ىسرعان ما اختفت خلف الدولاب الحديدي ، صاحبة النزل امرأة عجوز مدورة القامة قصيرة الشعر ترتدي نظارة كبيرة على عينيها المدورتين الصغيرتين الصرامة على ملامحها كممرضة أجنبية لا تفقه جلبة العرب من حولها دائمة الصراخ ، نظر في المرآة المشقوقة حيث توزعت شظايا منها على الحائط مكونة فسيفساء من صور كأنها قصت على شكل مثلثات ،كانت بدلته العربية لافتة ،تصل إلى فخذيه والفرملة التي اهتم بوضعها على البدلة الزرقاء العربية كانت بلون فاحم غير مقلمة ، كثيرا ما تثير اهتمام صاحبة النزل لكثرة جيوبها ، ففي الجيب الأيمن وضع جواز سفره المشوه، والجيب الذي يحاذيه أوراق ثبوتية وعلبة السيجار وولاعة صفراء ، كانت صاحبة النزل ترمقه بنظرة مستفزة، وتفغر فاهها كلما فتش جيوب فرملته الأربعة وظهرت الدنانير والدولارات في حركة عشوائية يخشى كثيرا منها .نسي قارورة صغيرة من عطر عكفت زوجته على صناعته فهو يعلق بالثياب ولا يبرحها ولو غسلت ألف مرة.تركه على واجهة الاستعلامات مما تسبب في امتعاض السيدة العجوز حين أمسكته لتذكره أنه نسي علبته، لكن رائحته علقت في النزل كله. وفي ملابس السيدة مما أثار اشمئزاز الزائرين من المحيط،بوزيد قطعرشوارعا طويلة وعريضة قال في نفسه وهو ينظر شزرا :عرض الشارع كعرض البحر لا تقطعه إلابعد ساعة
كان يدرك بوزيد وهو في هذه القرية البائسة أن الشوارع كبيرة ومتسعة ونظيفة ، وأن شرطي المرور مثل التمثال المحاذي لرأس المبنى المرتفع، وأن الأطفال كي يذهبوا إلى المدارس عليهم أن يقطعوا الشارع العريض رفقة شرطية مرور ، تحسس جيوبه الأربعة ،تذكر أنه نسي هاتفه البيلة في حجرته الصغيرة ونسي قنينة عطر القرنفل ، ونسي طاقيته البيضاء التي تغطي شعره الأشعث الأشيب والأهم نسيانه للورقة التي تحمل عنوان أصدقائه الذين أرسلوا في طلبه بدعوة خاصة لشيء ما في أنفسهم.

السابق
موت الفينيق
التالي
صباح

اترك تعليقاً