القصة القصيرة جدا

انتظار

راقبته حينما دخل المقهى، رجل في خريف العمر، أنيق، يرتدي بذلة رمادية داكنة، اختار طاولة جانب النافذة، جلس، نظر إلى المارة، طلب فنجان قهوة، أخرج من جيبه كتاباً، تصفّحه بأناة وهو يرتشف قوته، ويتلمّض مستمتعاً بمذاقها، أخرج قلماً، وفتح الكتاب، وكتب… ،أغلقه، نهضَ وخرج دون أن يعير أحداً اهتماماً مخلِّفاً وراءه كتاباً على الطاولة، وسحابة من تساؤل.
بفضول حملت كأسي، وانتقلت إلى طاولته، قرأت العنوان “عابر سبيل”، امتدت يدي إليه فتحت الغلاف وقرأت ما خطه: “إلى الذي يحبُّ الحياة حبّ أبٍ حانٍ”. عابر سبيل 1/2/ ….
مضت سنة، وأنا آتي يومياً إلى المقهى علّني ألقاه. لم أره، ولم أفقد الصبر، ولم تذبل زهور الأمل، وما زالت الرّغبة لرؤيته تقوى؛ حتى فوجئت به يدخل المقهى. وقف بالباب، جالت عيناه تتفقدان المكان، مشى متمهلاً إلى طاولة جانب النافذة، جلس، نظر إلى المارة، طلب فنجان قهوة، أخرج من جيبه كتاباً، تصفّحه، أخرج قلماً وكتب… ، نهضَ وغادر تاركاً الكتاب على الطاولة.
في حمّة من تساؤلي. انتقلت إلى طاولته “عابر سبيل”، كتاب العام الماضي نفسه، فتحت الغلاف وقرأت “إلى التي تحبّ الحياة حبّ أمٍّ حنون”. عابر سبيل1/2/ …
مضى عام، ومازلت أنتظر رؤيته، تسلّلت أشعة شمس مدنّفة إلى المقهى ولم يأتِ، عمّ ضباب المساء فارشاً خيمة سوداء، تقطّع الأمل، أخرجت قلمي كتبت في صفحة ورقة، تركتها على الطاولة، “إلى الذي أنتظره دونما أعرف متى ألقاه”. عابر سبيل 1/2…
ومضيت …

السابق
براءة
التالي
براجماتية

اترك تعليقاً