القصة القصيرة

جيب مقلوب

الشوارع الملتوية تشبه متاهة كان وحده يجيد لعبتها، هذه المرة تخبّلت أمامه الأفكار، قال في نفسه وهو يركل حجارة اعترضت طريقه” عجزت عن كل شيء… حتى إتيان زوجتي اللعوب”!… ابتعد قليلا.. انزاح نحو مكان معشوشب، جلس على كداة مرتفعة، نظر في كم السيارات المنطلقة دون هوادة، خالجه شك ما .. أخرج بقايا سيجارة من جيبه.. نفث فيها من غضبه.. اشتعلت بعدما تآكلت أطرافها.. كلما امتد الشك، تسارع نبضه، زاد من امتصاصها أكثر.. نفث فيما حوله من سحره الذي حول الأشياء من حوله إلى عتمة تقتادها طرقات عشوائية، أدخل يده في جيبه المقلوب إلى الخارج، قال بصوت مسموع ” حتى الخاتم ضاع” ما هذا الحظ التعيس؟! توارى عن الأنظار.. أخذ يمين الطريق، بينما تلاعبت به الأفكار واحدة تلو أخرى، تخيل كل اللحظات الجميلة.. شعرها الأشقر المنتشر على كتفيها الأبيضين.. خط الكحل الذي قسم فؤاده، كيف تجيد رسمه بدهاء، كأنها ترسم خارطة طريق نحو فرائصي المرتعدة أمام سطوة أنوثتها الهائجة! كم مرة عجزت عن إرضائها، هاهي اليوم تستفز جيبي الأسود، بكل وقاحة! ولها ذلك .. رجل مثلي يريد أن ..؟.. يلتهمها دفعة واحدة ولا يملك ثمن هدية عيد ميلادها، كيف أجرؤ؟! قالت لي ذات ليلة رقصتْ فيها كثيرا على إيقاع حزن طويل بعدما ابتلعتُ ثلاث حبات لا غير حتى استعيد سلطاني القديم” أنت رجل مهترئ” لا تقوى حتى على حملي ! سمعتها تقهقه وهي تمشط شعرها أمام المرآة، كنت أريد أن أحملها وأسقطها بكل بلادة على الأرض حتى أهشم أنوثتها التي لا تكف عن الإلحاح؛ كنت أريد أن أخنق أنفاسها اللاهثة وهي لا تهدأ من طلب المزيد- يا إلهي – لماذا أحمل كل هذا الضجر في قلبي؟! عدتُ ليلتها متسللا حتى لا تستيقظ وتبدأ جوقة الطلبات متتالية تقرع رأسي الأشيب، سمعت ضحكاتها المخلوطة ببحة الإثارة، راودته كثيرا ..هكذا خُيِّل لي! اندفعت-هائجا- بعدما استفاق شيء قديم من ذاتي المهشمة، دفعت الأبواب واحدا تلو الآخر، تخيلته مستلقٍ على سرير رضاها تمنحه الولوج إلى دنياها، بفأسي الصدئ حملته عاليا، قبل أن أهوي به على رأسها؛ ترنحت يمينا.. اعتدلتُ قليلا، كان أثقل من هيكل عظامي جذبني نحو السرير، تراجعت ضاحكة وهي تؤكد لي أنها كانت تغني على خيبتي المدسوسة في جيوبي المقلوبة.

السابق
اصرار
التالي
شَيخُوخَة

اترك تعليقاً