القصة القصيرة جدا

خطاب لدى الباب…!

ذات ليلة، قال قائلهم وهو يمدّ رجليه باستحياء، ولا يكاد يرفع عينيه في حضرتهم : أنا أحبّكم جميعا إخواني، أحببت فيكم هذه الطيبة، وتمنيت أن تنفعنا خصوبة هذا العام وتعود علينا بالزرع والشعير ووافر التبن، لقد قالها من قبل -رحمه الله – ذات يوم والجميع يترقب الأيام السعيدة وقد طال انتظارنا، فأغنامنا كثيرة وحميرنا هائمة في كلّ تلال البادية ولم تعد تصلح للبيع بعد تزاحم السيّارات في كلّ مكان، وهي في طريقها إلى المدينة لتقتحم مخزونها من دون راع، لطالما أحببت فيكم يقظتكم التي لم أعهدها منذ روّمت (الحمير) على العربات، وكدتّ أنساكم لولا أن قيّض الله لي بعض الجنّ والإنس، فتوسّمت فيهم صورة أبائي وأجدادي وتمنيت أن يمدّ الله في أعمارهم، إخواني أحببت كثيرا تلك الجلسات الراقية عقب كلّ عبادة في جنح اللّيل، ومن عادتي في مثل هذا الوقت أهاتف أمنيات عزيزة، وأُكثر من الدّعاء لتتحقق رغبتي، وها أنا الآن، أعزّائي، إخواني، فجأة أجدني عاجزا عن التعبير لكم عن مدى سعادتي وأنتم معي، لقد هرع الجميع لمعرفة من يدقّ الباب، عديد المرات، وتزاحموا لدى عتبته، رغم ضيق مدخله، ولما تزامن الآذان، مع رنّة الهاتف، صعب عليّ الاختيار، بين فتح الباب أو الهاتف؟ كانوا جميعا يظنوني مثلهم، وأنّي سأرتكب حماقة جدّي، ولكنّهم لم ينتبهوا لنيّتي، حينها قصدت الباب بخطى محسوبة ونظري لم يغادر تلك اللّوحة العالقة منذ أمد بعيد والهاتف لا يزال يرنّ بالحاح، ففتحت الهاتف بدل الباب، أستمعت إليه وهو ينصحني: أرجو أن تتماسك، أنت في الطريق الصّحيح، لا تتركهم يتفرّدون بالباب، احذرهم، انظر خلفك، التفت إلى الجميع أمام الجميع وما في القلب في القلب، بينما كانت السّاعة تشير إلى ثقل الظلمة إلاّ من إنارات لم تصلّح بعد، بعد أكثر من عشرين قرنا وصورته دائما جاثمة على بابهم المهتري…

السابق
ورقة تهديد
التالي
فرحة

اترك تعليقاً