القصة القصيرة جدا

خمسة

فتحَ عينًا واحدةً بِصعوبةٍ بالغةٍ، كانت الأخرى مغطاةً بالقطنِ والشاشِ، نظرَ حولَهُ بِدهشةٍ، حاولَ التحركَ مِن السريرِ، قفزَتْ مِن مقعدِها في خفةِ الهرةِ، أمسكتْهُ مِن كتفيْهِ بِقوةٍ، أعادتْهُ إلى وضعِ الرقودِ مُرغَمًا. أبدَى بعضَ المقاومةِ فنهرتْهُ، وثبتَتِ الأنابيبَ والمحاليلَ بِحزمٍ، حدثَ كلُّ هذا بِسرعةٍ مذهلةٍ، لم تدعْ له فرصةً، لِينطقَ بِكلمةِ احتجاجٍ واحدةٍ. تملكَهُ مزيجٌ مِن الغضبِ والإعجابِ!
نُقلَ إلى المشفَى بينَ الحياةِ والموتِ، إثرَ حادثِ سيارةٍ خاطفٍ، في طريقِهِ لِلمنزلِ، بعدَ مناوبةِ عملٍ ليليةٍ، ركبَ الطبيبُ الشابُّ سيارةَ أجرةٍ، ونزلَ على الجانبِ الآخرِ لِلطريقِ، في مواجهةِ المنزلِ.
مع الساعاتِ الأولَى لِلفجرِ، كان يعبرُ الطريقَ الهاديءَ. لم يشعرْ إلا بِصوتِ فرملةٍ، وارتطامٍ، أحسَّ أنَّهُ يزحفُ على الأسفلتِ بِسرعةٍ، والأرضُ تجرِي مِن تحتِهِ في الاتجاهِ المعاكسِ، حاولَ التشبثَ بِأيِّ شيءٍ، فلم تقبضْ يداهُ إلا على الهواءِ.
شعرَ بيدٍ تسندُهُ، تحاملَ لِلوقوفِ..الدمُ ينسابُ غزيرًا على عينِهِ اليسرَى، ناولَهُ أحدُهم لفةَ مناديلَ ورقيةٍ بيضاءَ، ألصقَها بِجبهتِهِ؛ فاستحالَتْ حمراءَ في ثوانٍ معدودةٍ، ناولَهُ غيرَها، وغيرَها، والدمُّ لا يتوقفُ، طلبَ الشرطيُّ هويتَهُ، مدَّ يدَهُ بِطريقةٍ آليةٍ، إلى جيبِ بنطالِهِ الخلفيِّ، وناولَهُ حافظتَهُ الجلديةَ، قلبَ الشرطيُّ محتوياتِها، ثم استخرجَ الهويةَ، دوَّنَ بعضَ البياناتِ، ثم ناولَهُ الحافظةَ فأعادَها مكانَها. أمرَ السائقَ الذي صدمَهُ بِحملِهِ إلى أقربِ مشفىً.
هناكَ أجلسَهُ السائقُ على كرسيٍّ بِالمدخلِ، وتبخرَ.
سألَهُ موظفُ الاستقبالِ بعضَ الأسئلةِ، ثم استدعَى لَه طبيبًا، فحصَهُ على عجلٍ، كتبَ تقريرًا ومضَى، الدمُ لا يزالُ ينزِفُ، طلبَ الموظفُ ألفَ جنيهٍ تحتَ الحسابِ، قبلَ بدءِ العلاجِ، أجرى اتصالًا بِقريبٍ لَه، وناشدَهُ عدمَ إبلاغِ والدتِه، دُفعَ المبلغُ في خزينةِ المشفَى، أُجريتِ التحاليلُ والفحوصاتُ اللازمةُ، لبثَ ساعتيْنِ في غرفةِ العملياتِ، ثم ساعةً أخرى لِلإفاقةِ، سألتْهُ عن سرِّ ال (خمسة ع) التي كان يهذِي بها تحتَ تأثيرِ المُخدرِ قالَ:
_هذا حلمُ كلِّ طبيبٍ حديثِ التخرجِ: عيادةٌ، عربةٌ، عروسٌ، عمارةٌ، عزبةٌ.
أشرقَ وجهُها بِابتسامةٍ ساحرةٍ، سكتَ قليلًا ثمَّ ابتسمَ مُردِفًا:
_ما لا يُدركُ كلُّهُ لا يتركُ جلُّهُ، هل أنتِ مرتبطةٌ؟.

السابق
صُوَرٌ
التالي
شفـافـيـة

اترك تعليقاً