الخاطرة القصيرة جدا

شراع ينزف

عبر اليم، شقت عابرة صمت الماء، سارية عزة تعانق الأفق المترامي. فوقها، راية بيضاء، كشفق فجر أبدي، تتراءى عليها حروف من ضوء خافق، تشير إلى الأرض المنكوبة. وفي ثناياها، جاثمة حمامة وداعة، نبض سلام يرتجف على أهداب الفزع.
على متنها، أرواح شاحبة، أبصارها غارقة في لجة البعد، تحاكي مرارة القرون، تترقب بصيصا يتسلل من أغوار الظلمات. لكن من العلا، انقض شبح أسود، أداة صماء تقطر قانيا، يلطخ صفاءهم ويغرس الوجل في أعماق الأفئدة. دمع يسيل، قطرات حمراء داكنة تتساقط كوابل صامتة، تروي حكايا ألم سرمدي، وترسخ بذور الفجيعة في جوهر الكينونة.
هنا، على صفيح هذا الزرق العميق، تتصارع الحقيقة مع طيف الوهم، يتنازع البقاء والفناء. الحمامة، رمز الرفق، تجثم على عتبة الفأل، بيد أن دوي الصماء يمزق ستائر الليل، ويطمس نغمات الحياة. تلك العابرة، لم تكن مجرد هيكل عائم، بل كانت صرخة روح مدوية، استغاثة ضمير جريح، رسالة كتبها الألم بمداد النزيف، صرخة تنادي بوقف انسكاب الوجود في تلك البقعة المكلومة.

السابق
حملة
التالي
شهامة

اترك تعليقاً