القصة القصيرة

شيء ما يحترق

عند صعود سيارة الأجرة إلى قمة الهضبة وإنحدارها بدت القرية واضحة أمام الشيخ عبد الهاديK نظر السائق إليه نظرة إستخفاف:
– ستقيم هنا ياشيخ ؟
– وهل وجدت مكانا أفضل ورفضته
الشيخ عبد الهادي ابن مدينة صغيرة تتربع على ضفاف الفرات ، ورث المشيخة عن والده الشيخ أحمد ، لم يسعفه التوفيق في إكمال دراسته فترك مدرسته وهو طالب في الصف العاشر
كان يلقي خطبة الجمعة ويعطي درسا يوميا في قرية المورودة ، يسد بما يأتيه من مردود رمقه و رمق أسرته ، قبل أن ينتشر خريجوا الشريعة في القرى ويحتكرون هذا النشاط ، فاضطر الشيخ لتلبية دعوة صديقه طالب النعسان مختار قرية أم الورد للعمل في القرية البعيدة عن مباهج الحياة وصخب ازدحامها ، كأنها كوكب آخر منفرد مع عدة قرى مجاورة
استدارت السيارة باتجاه مضافة المختار الذي خرج حافيا مهللا يتبعه عدد من وجوه القرية
جلس الشيخ في صدر المضافة ، أسند يده اليمنى على وسادة وراح يتأمل جدرانها الطينية ، مرددا ماشاء الله ..ماشاء الله
على الجدار المقابل سيفان متقاطعان وضعت بينهما صورة الزعيم ، وعلى الجهة اليسرى عدد من السور القرآنية القصيرة تتوسطها صورة الحاج فواز النعسان
قطع تأمله الأستاذ محجوب :
– نورت ..نورت ياشيخ
– النور بوجوهكم
وبعد وجبة غداء دسمة اصطحب المختار والأستاذ محجوب الشيخ إلى مسجد طيني متواضع ، رفع فوقه عمود خشبي ، ثبتت عليه مكبرات صوت
ومنذ ذلك اليوم اعتاد الرجال على أن يجتمعوا مساء في المسجد ، حيث يلقي الشيخ درسه المسائي
عدة أشهر مرت ، أصبحت فيها /أم الورد / قبلة تستقبل الوافدين من القرى المجاورة لحضور الدرس الذي اضطر الشيخ لتقديمه إلى مابعد صلاة العصر مع التفكير بتحويله إلى مضافة صديقه المختار وذلك لضيق المكان ، لكن سفر الشيخ إلى دولة مجاورة بحجة إتباعه دورة دينية أخر البث في ذلك لحين عودته
رحلة لم تطل أكثر من ثلاث أشهر ، لتتهادى سيارته الخاصة أمام المسجد هذه المرة متجاهلا مضافة صديقه المختار ، حيث سارع الناس مباركين عودة الشيخ ابي الفداء
ثوب قصير ..لحية طويلة ..ملامح بدت عليها الصلابة والإصرار وكأنه رجل آخر نحت من صخر
فالولاء لم يعد لصديق أو قريب ، الولاء للواحد الأحد ..هذا ما جاء في درسه الأول بعد عودته
في اليوم الثاني تهجم على صديقه المختار واصفا إياه بالكافر عابد الزعيم ، ووصف الأستاذ محجوب بالذنب الذي لا يمكن تعديله
الشيء الذي أثار غضب المختار فأمهل اللئيم ( كما وصفه ) بيومين لا ثالث لهما لمغادرة القرية
في صباح اليوم التالي
زلزال يضرب قرية لم تشهد حالة قتل في تاريخها …جثة المختار بالقرب من المضافة
أصيب الناس بالخوف …بالهزع ، ليقف الأستاذ محجوب مهدئا ، متوعدا الخونة بيوم عصيب
بعد صلاة عصر في المضافة ، شيعت القرية فقيدها بينما خرج من المسجد أشباح ملثمة ، انتشرت بين أزقة القرية التي داهمها الظلام وبدأ يخفي معالمها

السابق
طمع
التالي
امرأة

اترك تعليقاً