القصة القصيرة جدا

ظلال

تسللتْ خيوط اشعة الشمس الاولى، من النافذة المفتوحة دائما كفم ابله، ونزعتْ عني اللحاف. وخزني نهار آخر لانهض من نوم خشن، كما صاحب كراء عند اول شهر جديد.. الصنبور امتنع، ولم اغسل وجهي. قارورة الغاز نفختْ علي انفاسها الكريهة كمؤخرة نتنة. القهوة السوداء الباردة، اشترطتْ ان اعبها دفعة واحدة، كالدواء، عوض ان اتلذذ بتقطيع جسدها جرعة جرعة، على مهل.. الجريدة قفزتْ الى وجهي، وامسكتْ خدي كَكَفَّيْن غليظين، وصاحتْ : إقرأ..! وحين بحلقتُ، انطلقتْ اسراب الحروف، كالنمل، واجتاحتْ خريطة جسدي، وصارتْ تجرني في كل الاتجاهات..!
حاولتُ ان اصرخ.. لكن التلفاز سبقني، صائحا : انفجار عاجل، انفجار عاجل..؟ ثم سمعتُ صوت انفجار قوي صمّ اذني..؟ انزاحتْ عني الانقاض والاشلاء، مسح كُمّي الدمَ عن عيني، نفضتْ اذني الغبار عنها، واصغتْ الى التلفاز، يَعُدّ القتلى والجرحى..! لم اعرف ما إذا كنتُ ضمنهم..؟ سأسال عني..؟
انفتح الفايسبوك، خرجتْ صفحتي الشخصية، والتقطتني.. قبعتُ في الصورة صورةً..! فانهالتْ علي الاعجابات، اعجابات من اليسار، من اليمين، من الاعلى، من الاسفل، حتى كدتُ اختنق..! وانطلقتُ هاربا.. فتحتُ الباب، وقفزتُ الى الشارع..
الشارع مقفر من المارة والسيارات؛ ومليء بالعساكر والشرطة وسياراتهم، شممتُ في الجو رائحة كرائحة رعد وشيك، وانا ارى الاصابع على الزناد، والعيون بالمرصاد..! اقترب مني جندي، رفع عقب بندقيته، وضربني.. سقطتُ، وغشاني الظلام…
رأيتني في قاعة محكمة، مكبل اليدين، يحوطني الحراس، والقاضي يقول ان الجرائم لاتسقط بالتقادم، او بمرور العمر، فجرائم الصغر يعاقب عليها في الكبر..!
قالت النيابة العامة اني متهم بتمزيق عائلة، لما تسببتُ، وانا طفل بعد، في كشف الشخصية الحقيقية لبوعو، مما شكل مسا بالنظام العام داخل العائلة، وإهانة لجهاز يسهر بامانة واخلاص، على ضبط شغب الصغار وعنادهم.. فبوعو هو دركي العائلة، المخلص، الذي يمنع شيطنة الاطفال، ويمنح ذويهم الامن والراحة، كي يناموا كما يليق بازواج..!
كنتُ صغيرا، ساذجا.. وصادقا.. وكان، في البدء، اعلان امي عن اقتراب موعد قدوم بوعو، كافيا لادخل رأسي في الفراش، وألصق رجلي بصدري، كي لا يمسكني بوعو من قدمي الممدودتين، وهذه العادة لازمتني الى الكبر..! بعد ذلك ما عدتُ اختبأ إلا عندما تنفخ امي على لامبة الغاز، ويهجم الظلام.. ثم لم اعد اخاف من بوعو، بعد ان رأيته، اول مرة، يفتح الباب، في ليلة مقمرة، ويتقدم شبحا ضخما اسودا..تجمدتُ من الخوف، لم استطع الصراخ، ولا الحركة، فقط انزلق سائل ساخن من قضيبي، على فخذي وعلى الفراش. لكن بوعو لم يتقدم في اتجاهي، بل تمدد الى جانب امي، ونام..لم يصدر عنه ما يشي بالخوف، ولا امي.!
سمعتُ همسا، بعده تأوهات، ولم افهم..؟ لكني نمتُ سريعا بعد ان سرى الامان في عروقي..
وفي احدى المرات قلتُ لامي، بعد ان حاولتْ اخافتي ببوعو، كي انام، انه لا يأتي إليّ، بل اليها، وينام جنبها.! ثم سألتها ما إن كانت لا تخافه..؟ قالتْ لي انه لايخيف إلا الاطفال..! لكني لم اخف كما في اول مرة، ولم افهم..؟ ثم صرتُ اتخيل نفسي بوعو يتأوه لذة..!
لهذا قلتُ لابي، في احدى عطله، وانا اجر حذائه العسكري في قدمي الصغيرتين، لما حاول ان يخيفني ببوعو، كما كانت تفعل امي، ان بوعو يأتي، مرات كثيرة، وينام الى جانب امي.. وحاولتُ ان اعُدَّ عدد المرات على اصابعي..قلتها عفوا وبصدق كصدق ورقة مكتوبة تنشر امامك حروفها.ولم ادرك بعدها كيف انقلب جو البيت صراخا ولكما؛ وكيف صار ابي بوعو، وصارت امي بوعو..!؟ فانطلقتُ اصرخ، وسط الصراخ، حتى انقطعت انفاسي…؟

السابق
مَرافِئٌ
التالي
حكيمُ القريةِ

اترك تعليقاً