القصة القصيرة

عندما عدتُ لإنسانيتي

تحركنا إلى المصيف وقت الفجر، وعند مرور سيارتي بإحدى القرى الزراعية، ظهرَ أمامها شاب فوق دراجته، كنا نسمعُ أغنية حزينة، تعبر عن مأساةِ حبي الضائع، وفي عيوني تراقص الدموع بعض من أطياف الذكريات.. لم أنتبه لهذا الشاب المسكين؛ إلا بعدما أرسلتهُ تحت إطارات سيارتي.. أوقفت السيارة للحظة بلا إرادة بعد ضغطة شديدة على الفرامل.. نظرتُ إلى هذا الجسد الملقىٰ، وقبل أن أفكر في حال صاحبه، وجدتني انطلق بالسيارة بأقصىٰ سرعة تاركًا المكان، لكن مَن يرافقني استيقظ وسألني: لِمَ تركت الشاب ينزف وراءك..؟! همست له: خفت بأن يكون فارق الحياة، ويثأر مني أهل قريته، أنت لا تعرف طباعهم؛ فأردف: ومَا أدراك بحال أسرته الآن، فمعظم الذين يخرجون في هذا الوقت، هدفهم الوحيد لقمة العيش، وأخذ يعنفني؛ ولأنني أعلم أنني لن أسلم من التأنيب، أوقفت السيارة أمام إحدىٰ استراحات الطريق، وجلست أتناول وجبة خفيفة، ووعدته بأنني سأعود للقرية وقت الظهيرة لأتحسس ما أصابه، وحينما رجعتُ، شاهدتُ جنازة تخرج من مسجد القرية، نزلتُ من سيارتي، وتبعتها حتى المقابر، ودون أن أسأل أحد لمن تكون.. أدركتُ من دعاء الشيخ الذي قدم للمشيعين الموعظة، أن هذا الشاب شهيد لقمة العيش، تألمتُ لأنه دعا كثيرًا علىٰ مَن كان سببًا في الحادث، لهذا لم أستطع التحرك.. بقيتُ واقفًا أمام القبر بعد انصراف الرجال.. بعدَ قليلٍ حضرت فتاة، ومعها جماعة من النساء، دخلت الفتاة التي فهمتُ أنها زوجة الشاب في نوبة من البكاء الشديد، نظرتُ إليها قبل مغادرة المكان، وهمستُ لنفسي: يا إلهي، هل يوجد مثيل لهذا الجمال في هذه الدنيا..؟ تحركتُ، وتركتُ رفيقي نائمًا إلى جوار الشاب، على أن أعود بعد فترة الحداد للفوز بهذه الجوهرة مهما كلفني الأمر.

السابق
تلوين
التالي
تربص

اترك تعليقاً