قراءات

قراءة في نص “حلم”

للكاتب محمد ياسين صبيح

نص القصة على مجلة قصيرة من هنا

القراءة

عرّف ريفاتير النصّ أنه نظام إشارات تحديدي وإلزامي، فالمرسله تحتوي على جميع العناصر اللازمة لتأويلها (إنتاج النصّ).. وفي مقاربة نصوص (الققج) يتبادر للذهن أولاً وقبل كل شيء السؤال التالي: هل المرسله نصّ واحتوى عناصر التأويل.. إذ تصادفنا الكثير من الصيغ التعبيرية المرتبكة والتي عجزت عن إنتاج (النصّ) في مشاهداتنا لمنجزات المهتمين بهذا الجنس الأدبي، والأدهى من ذلك شيوع الدراسات (النقدية) المعزولة عن (النصّ) والتي لا تكترث للعلاقات التركيبية في معطيات الصياغة.. ما يجعل الصور التعبيرية أشبه بالجيف التي جهد الناقد في بث الحياة فيها لابتكار صيغة تعبيرية جديدة تجعل (الناقد) في موقع الاعتداء ويصحّ فيه نصّ الكاتب (حلم) باستعارة وحدة الدلالة (صخب العطور). فالعطور لاتصخب بل تفوح والصخب في (صخب العطور) محور استبدالي تزامني في انهمار العلاقات التركيبية لنصّ الكاتب المكين في منتج المرسلة للقصّ الومضي الغني بالاستعارات والانزياح الدلالي الشاعري.. والنصّ صورة تعبيرية وسيطة بين الكاتب والمتلقي العادي الذي يكتفي بالقبول أو الرفض.. الإشادة أو التجريح..تبعاً لغنى التخييل في عالم المتلقي الخاص القائم على درجة التحصيل المعرفي وغنى الاستقبال لإطلاقات إشعاعات النص الترميزي.. الذي هو بالتعريف البنيوي شبكة اتصال لوحدات دلالية قصدية منهمرة من مخيلة الكاتب تجمعها وحدة تركيبية حاملة للتيمة. وأزاء النصوص القويّة للققج لا تنفع عفوية التأويل للمقاربة، كما لا ينفع الارتهان التحليلي لمدرسة من مدارس النقد الأدبي، لإن نص الققج اختزالي ترميزي مليء بالايحاء (عدسة مقعّرة) فهو خلاصة التجربة الأدبية السردية في عصر الاقتصاد اللغوي، غايته وموضوعاته أساس بنائه النسقي، يقابله ناقد ملمّ بكل المدارس النقدية وقادر
‎على إقعاد النصّ على أريكة الدراسة التأويلية لمختلف الاشتقاقات النقدية الاجتماعية والتكوينية البنيوية والسيميائية والنفسية والموضوعاتية وغيرها.. ولا غنى للقراءة التأويلية من إلمام مهم بلسانيات سوسور التي تشعبت عنها مدارس النقد المختلفة. حيث أدى إطلاق محاضراته للتأمل في فكرة فيض الدال وإفراط الدليل لحيازات الدليل الشعري ومبدأ المحورين الانتقائي والتعاقبي أو التركيبي، وأطلق عليهما المحور الاستبدالي والنظمي.. لإن العلاقات التركيبية معطيات للجمل القابلة
‎للملاحظة (التأويل في الققج)، والانتقاء أساسه التباين والتماثل والترادف والتضاد بينما يستند التركيب إلى التجاوز… بالاستناد إلى ريفاتير ودوسوسور فإن نصّ الكاتب (حلم) يجعل العنوان دال من المحور الاستبدالي (أفعال بالقوة) فهو انتقائي ألزمه الكاتب بالتعاقبات الدلالية في محور التركيب لإنتاج الغاية (تيمة -تيمات).. والقراءة المعمقة لوحدات النسق هي الكاشف التأويلي لمعنى لفظة الحلم التي فرضها الكاتب استبدالياً لتخرج عن دائرة (الحلم -المنام) وتخييل اللاوعي الخاضع بمفاهيم فرويد للتكثيف والإزاحة، وذلك إلى دائرة الوعي والتخييل الإبداعي الظاهراتي بالارتباط بالواقع التاريخي (أحلام اليقظة) ودفع تيمة النص بالكشف عن ثمن كلمة الكاتب (أفكاره الممنوعة في بيئة توتاليتارية).. حيث يلازم تلك البيئات شواذ (الرؤوس المتحركة) بلا وعي الحقيقة، والتي أغدق عليها التجهييل مختلف الأدوات والأساليب.. فتبرز مفارقة السخرية المؤلمة باستعارات متينة في نص الكاتب وانزياحات دلالية شعرية،
‎جعلت الأذن السامعة الصاغية مكان حاسة الشم التي حافظت على دقة إحساسها.

السابق
حلم
التالي
وحش المعاصي

اترك تعليقاً