قراءات

قراءة في نص “صراع”

القصة للكاتب بسام الأشرم

نص القصة على مجلة قصيرة من هنا

القراءة

تحتمل بعض النصوص القصصية الإبداعية قراءات متعددة لما فيها من إسقاطات رمزية وعلاقات اجتماعية ولغوية وثقافية ومعرفية، التي تكون خاضعة للتحليل البنيوي والتفسير والتأويل من قبل القارئ؛ الذي يحمل بدوره عوالما مختلفة من الرؤى والنظريات الممزوجة ثقافيا وتاريخيا… النظر إلى مرونة المعنى ودلالاته من زوايا مختلفة ترتبط بقدرة اللغة الأدبية على التشكل بعدة أبعاد، وتلك هي ميزة الأدب الفارقة له عن العلم ذو اللغة الثابتة ذات المعنى الواحد، فقراءة الأدب فعل معقد أو تفاعل يفضي إلى قبول النص وإظهاره بمظهر خاص في ذهن القارئ المتذوق، وقد تتوافق مع مرام الكاتب لحظة الكتابة وتتفق معها أو تتباين كليا أو جزئيا عنها؛ حتى يرى الكاتب نصه ذو معنى مختلفا تماما عما أراده له وكأنه يرتدي زيا جديدا البسه إياه القارئ لحظة القراءة، فالظهور الفعلي للنص الأدبي يكون لدى القارئ أكثر مما يكون عند الكاتب.
في نص (صراع) للكاتب المبدع بسام الأشرم ظهرت قراءتان مختلفتان لأديبين بارزين، الأولى: للأستاذ محمد البنا، والثانية: للأستاذ محسن الطوخي… تناولا فيها النص من زوايا مختلفة، والقراءتين أدناه (كتعليقين في جروب الواحة) منقولان ببعض التصرف؛ ولكن دون إضافة بالتأكيد:
1- (الطفل السوري الذي ابتلعه البحر أثناء فراره وأهله من جحيم حربٍ لا تبقي ولا تذر، فيرى كاتبنا البحر لوحةً ورقية أو صورةً في جريدة، ولم يكن في استطاعته لحزنه وقلة حيلته إلا تمزيق الصورة).
2- (أزمة منتصف العمر, ينظر الرجل وراءه فيدرك أن كثيراً من الطموحات لم تتحقق, بينما يفر العمر من بين يديه, فالشخص يحدق في صورته الحالية, فتهوله التجاعيد التي غزت الوجه فيمتلئ قلبه بالحزن على الشباب الذي ولى, فهو يرفض مبدئيا الربط بين تلك الصورة وبين ذاته التي لا يزال يراها فتية, الإشارة إلى الوردة الحمراء والرقصة الهادئة يوحيان بأن فراغاً عاطفيا خلفته رحلة حياته, والخاتمة الموحية تشي بأن الشخص قد قرر التمرد على النمط الذي سارت عليه حياته السابقة).
العنوان (صراع) وهو عتبة النص الموحي مقدما إلى وجود مشكلة عميقة لها بعد زمني أو تاريخي ولها أطراف تشترك به، كانت دلالة الصراع عند الأستاذ البنا ذات طابع سياسي، فهو حرب دائرة آنذاك (ولا زالت) بين مكونات الشعب السوري الواحد، أدت بأهله للفرار من جحيمها عبر البحر، والواقع أو الوقائع قد أفرزت ضحايا لبعض هؤلاء المهاجرين، ومنهم ذلك الصبي البريء الذي برزت صورته واشتهرت في وسائل الإعلام في وقتها، فتناولها الكتاب في أدبياتهم شعرا ونثرا… ورغم أن البنا لم يصرح عن معنى كلمة (تجاعيده) إلا أنه تخيلها كرمز لأمواج البحر الذي سكن بصمت في صورة محزنة، بعد هيجان منه وابتلاع الطفل وقذفه على شاطئه الفسيح… والراوي يرفض هذا الصراع وما آلت إليه الأوضاع فلا حيلة له ولا حل لديه سوى تمزيق تلك الصورة المؤلمة التي تعبر عن الواقع المزري للأمة.
وقد تكون عبارة (الوردة الحمراء) في المقطع الأول من النص المكون من ثلاثة مقاطع للبنا؛ استفزازا ذهنيا لما لها من ربط لفظي مباشر مع بيت الشعر المشهور لأحمد شوقي، التي تتحدث قصيدته عن نكبة دمشق (السابقة لنكبتها الحالية والتي فاقتها الحالية وجعا وألما):
وللحرية الحمراء باب … بكل يد مضرجة يدق
فأكدت تلك العبارة لا شعوريا رأي البنا في النص.
أما الصراع لدى الأستاذ الطوخي فهو صراع ذو طابع نفسي، لرجل فات من عمره الكثير حتى كانت (تجاعيده) دالة على أن الطفل الذي في داخله قد مات، آخذا معه كل أحلامه ورؤياه للحياة التي كان يتمناها أن تبقى كما هي، ولكن عامل الزمن الذي لا يرحم قد جعل من ذاك الطفل البريء الجميل الحالم شيخا كبيرا ربما؛ من خلال الصورة التي بيده، فالراوي هنا هو ذات الطفل بعد أن كبر، وعبارة (الوردة الحمراء) هي الشباب وبريقه ولكنها ذبلت وانتهى الأمر، والرفض من الراوي هو تمرد على نمط الحياة التي سار عليها؛ حتى أصبح الطفل ضحية مسار حياته لأنه لم يحقق أحلامه، فكانت الصورة صورة حياته تنظر إليه بصمت وجمود، فكان التمزيق لها في المقطع الثالث دون حوار أو تساؤل، لتتناثر قطعا ورقية كما تناثرت حياته.
العبارة الاستنكارية بصيغة السؤال: (من أنت يا هذا؟) كانت تعني للبنا خطابا لصورة البحر، وعنت للطوخي خطابا للذات أو مع الذات.
واعتقد أن كلا القارئين قد اتفقا على أن المقطع الثاني: (أين أحلامُهُ التي ما تَحقَّقت…) هو معبر عن ضياع حياة إنسان، إذ أن المقاطع الثلاثة تبدأ بمواصلة النظر بصمت، للدلالة على أن الصراع غير متكافئ في الحالتين، فالجانب المقابل ينظر بصمت وكأن لا حياة فيه (البحر أو الحياة البائسة) عند الراوي.
تحية للكاتب المبدع/ الأستاذ بسام الأشرم ، وللأستاذين القديرين/ محمد البنا ومحسن الطوخي.

السابق
قراءة في نص “صِراع”
التالي
ينزّ شذاها…

اترك تعليقاً