قراءات

قراءة في نص “فساد”

للكاتب مفيد وسوف

نص القصة على مجلة قصيرة من هنا

القراءة

العنوان
فساد، وللفساد معانٍ عديدة وكثيرة، وأتى بصيغة النكرة ليحافظ على هدف التلميح دون التصريح، ولا يمكن سبر غور معناه بدقة والوصول إليهِ، إلا عندما نلج في عمق المتن وبشطريه لندرك فَحواه.
الشطر الأول: هوتْ المطرقة، هوى: سقطَ الشيء مِن عُلوٍ إلى سُفلٍ ، المطرقة هنا يعني بها الكاتب، مطرقة قاضي المحكمة التي تكون بيده والتي تمتاز بصوتِها الذي يعبّر عن إرادةِ القاضي الذي هو هنا مُمثلًا للعدالةِ والقانون، فسقوطها دلالة على أن العدل والقانون هما في الحضيض وأصبحا في خبر كان، وهنا نرى بأن الشطر الأول كان سببًا سيكون له نتيجة حتمية في الشطر الثاني.
الشطر الثاني: أنَّ العدل، أنَّ: تأوّه ألمًا بصوتٍ عميق وشكوى مستمرة،وهنا إشارة ودلالة قوية وواضحة على نتيجة مؤكَّدة بسبب فعلٍ قرأناه في الشطر الأول
العدل، وهو الإنصاف والقِسْط والحقّ والمُسَاواة، عكس الظلم والجور والبغي، والعدل هو مِن أسماء الله الحسنى، الله سبحانه وتعالى أمرَ البشريةَ مِن خلالِ كتبه وتعاليمه السماوية وأنبياءه ورسله بإحقاق الحق وإشاعة العدل بين الناس، فقال تعالى في سورة النساء، بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) صدَقَ الله العَظِيم.
نعود للعنوان، نلاحظه انه قد افترشَ بجناحيه على شطري الومضة ومنحهما معناه بكلِّ جدارةٍ، فبسببِ الفساد حدثَ السبب وهو سقوط رمز القاضي الذي يحكم بالعدل، وتداعى حكم القضاء وتراجعَ إلى مستوى يُرثى له، وهذا مما أدَّى إلى أن ينتشر الظلم ويتراجع بل ويتألم العدل ويصدر صوت الألم(أنين) وهنا استعارة جميلة ثبّتها الكاتب ليوضّح المستوى الذي وصلت به العدالة في ذلك المكان، وبالتأكيد يتحدث عن الفساد وسقوط العدل وانتشار الظلم في مكانٍ ما يعنيه – الكاتب – ويهمه؛ فيسلط الضوء عليه.
وهنا نلاحظ تكثيف شديد أُستُخدِمَ للتعبير عن فكرةٍ مفادها، باختصار: لو عمّ الفساد مكانًا تهاوى القانون وبكى العدل ألَمًا وعمَّ الظلم وانتشر ظلامهُ كل الأرجاء.
في الومضة هذه، نرى مفارقة ودهشة، فعندما نتناول الشطر الأول وقبل الانتقال للشطر الثاني، لا نعرف أي نوع من المطارق الذي سقط، فالمطارق أنواع ولها استخدامات عدة، منها ما يطرق الحديد أو المسمار أو ما يدق بها الصّوف والقطن ليندف ومنها المطرقة التي قصدها الكاتب؛ وفي الشطر الثاني مِن الومضة توضّحَ لنا المَقصودة هنا، وهي مطرقة القاضي.
الخاتمة كانت جميلة ومباغتة وصيغَتْ بأسلوبٍ رمزي بديع، تُصوِّر مطرقة القاضي التي – عادةً – تُستخدم لإحقاق الحق والعدل، هي نفسها هوتْ وكأنها سقطتْ على العدالةِ، ضربتها وأوجعتها ومِن الألم الشديد والمستمر شكَتْ وأنّت كالعليل المُبتلى بالمرض.
النص جميل وله مغزى أجمل، استوفى شروط الومضة، واستحقَّ التتويج، أمنياتي للأستاذ مفيد وسوف بدوام الإبداع والتألّق والتفوّق.

السابق
فساد
التالي
الأفعى ….

اترك تعليقاً