قراءات

قراءة في نص “مَتاع”

النص للكاتبة خديجة السيد

نص القصة على مجلة لملمة من هنا

القراءة

نص قصير جدا، ( فهو من ناحية عدد الكلمات يحقق بجدارة عنصر التكثيف، رغم أنني كما أسلفت في تعليقاتي لا أعتبر عدد الكلمات عنصرا حاسما في التكثيف). استفاد الكاتب من جعل العنوان جزءا من السرد، و بذلك أضاف علامة أخرى فارقة لصالح التكثيف.
لو قرأنا النص بشكل معزول عن نص القصة القصيرة الأصلي لوجدناه يمثل نصا منفصلا، يقدم ذات فكرة النص الأصلي بسرد وجيز جدا، و فكرته واضحة دون العودة لنص القصة القصيرة الأصلي، و بذلك ينجح التكثيف هنا ألا يتحول اختزالا مع أنه ربما أقصر نص في النصوص المقدمة.
عتبة الاستهلال تبدو هي المفصل الأساسي في التكثيف حيث استطاع الكاتب بعبارة من كلمات قليلة أن يختزن و يكثف فصلا كاملا من القصة، و بطريقة تدعونا للتخييل و التفكير و التأمل، فكيف ستقايض المتاع بزوجها و بقرتها، و هذه العبارة ترسم لنا حكاية حلمها الجميل اذا بامتلاك المتاع، الذي بدا أنه أغلى عندها من زوجها و بقرتها الوحيدة- مصدر رزقها- و هذه عبارة ذكية جدا في ظاهرها مباشرة، إلا أنها تطرح لدينا الكثير من الأسئلة حول سبب تلك المقايضة و قيمتها و أحقيتها و منطقيتها، و هذا يفتح آفاقا أخرى للنص، تبعده عن الإخبارية و المباشرة.
استطاع الكاتب أن يستفيد من ضمير الغائب في عنصر التكثيف و كانت مرجعية هذا الضمير في كلمات( قايضته، جرفه، رافقته) واضحة، فالهاء هنا عائدة على المتاع و لذلك نجح الكاتب في توظيف الضمائر بشكل صحيح غير مربك، خدم التكثيف بشكل جميل.
و رغم اعتماد النص لغة واضحة لا اضمار فيها و لا تورية و لا صور شعرية، لكن أعجبتني جدا القفلة التي تبدو للوهلة الأولى عادية في سياق حدوث سيل جارف، لكنها ربما تشرع المدى أمام تفكيرنا و تجعلنا نتساءل: ألم يكن بالإمكان أن تنجو هذه المرأة بنفسها و تترك المتاع؟ أليس ذلك هو الوضع الطبيعي لأي إنسان؟.
لكن هذه النهاية المحزنة المفجعة تستمد قسوتها التي تعبر في الوقت نفسه عن قوتها و جمالها، من ارتباط تلك المرأة بالمتاع و كأنه حلمها الجميل الذي لا تريد أن تتنازل عنه حية أو ميتة، هذا الحلم الذي بنهايته تنتهي حياتها، و بذلك ينجح الكاتب في التماهي تماما مع فكرة و أحداث النص، مكونا نصا مستقلا يمكن قراءته معزولا عن النص الأصلي. نص جميل جدا، و ذكي و يحقق عنصر التكثيف بالتوازي مع تقديم الحكاية بشكل ملفت. أمنياتي الكاتب/ة، بالتوفيق الدائم. وأثني على باقي النصوص أيضا، و أتمنى لجميع الزملاء الكتاب دوام الرقي و التوفيق.

السابق
مَتاع
التالي
جُمَّار

اترك تعليقاً