قراءات

قراءة نقدية في نص “على شفير الهاوية”

للكاتب سعدي صباح

نص القصة على مجلة قصيرة من هنا

القراءة

على شفير الهاوية” قصة للكاتب القاص الأستاذ سعدي صباح تضمنتها مجموعته القصصية ” سر البيت المفتوح”، قصة استهوتني قراءتها أكثر من مرة لا لشيء فقط لأنّها نص حي متنوع القيّم، يلقي فيه صاحبه الضوء على زوايا معتمة في واقع مجتمعنا بطريقة عفوية تختزل حكاية شعب في فرد، أو هكذا أرادها الأستاذ صباح إشارة عميقة ذات رسالة بالغة الأهميّة يمكنك التعرف عليها بامعان الفكر بين محتوى سطورها

القصة بالنسبة لي ذات بعد إنساني تاريخي عقائدي أخلاقي، لهذا بالذات أردت مشاركة قراءتها معكم لتكون أهميتها بمستوى إبداع صاحبها الأستاذ كريم الخلق سعدي صباح.
“على شفير الهاوية” قصة طالب عبثت به صروف الحياة فاحتضنته المدينة طلبا للعلم، ليعود منها – ككل الطلبة المغتربين عن دفء منازلهم- نهاية كلّ موسم دراسي إلى دشرته البسيطة، حيث يسرد لنا الكاتب تفاصيل عودته وهو يغازل ملامح طريق يحمله على جناح الحنين إلى مربى ذكرياته وموطن طفولته في مشاهد أقلّ ما يقال عنها أنّها أكثر من رائعة؛ كيف لا؟ ” ومواكب النعمان تنحني في إجلال لموت الربيع”، كيف لا؟ و “عصافير الزرع تتعانق في الفضاء الرحب نشوانة بالرحيل”.
وبين أحضان دشرته التي اكتضت بعودته بين مرحب ومشتاق يسافر بنا الكاتب إلى تفاصيل عناق آخر يضجّ بالحنان وهو عناق الأم، الأمان الذي نظل ننشده مهما بلغنا من العمر عتيا ” عانقتني بشوق ينبوع الحنان ” و” دمع الفرح يخضّل هدبيها” تلك هي الأم التي لا يجفّ عطاؤها مهما غربتنا عنها الحياة وأبعدتنا الظروف.
وفي احترافية مميّزة ينتقل بنا الكاتب إلى جوهر القصة وهو يصف سحر المرأة اللغز “لالة زليخة المرابطة”، الكلمة المفتاحية لشفير الهاوية.
لالة زليخة ” الحمامة البيضاء الشرقية المهاجرة” كما يصفها الكاتب ذات “الشامة الجاثمة على وجنتها كسنونوة على تلّة الثلج”، هي عصا شيخ الزاوية ولنكون منصفين أكثر فإنّنا نعني شيخ القبّة الخضراء حيث الطقوس والمعتقدات البالية تجد لها متّسعا من الوقت والمكان، تستدرج أخيلة الناس البسطاء فتلمهم في خبث ودهاء تحت عباءتها كما يفعل هذا الشيخ في طقوس الدجل التي يمارسها علنا على مرأى جموع أهل الدشرة رفقة تلك المدعية لالة زليخة وهو يحجبها عن أنظارهم للحظات تحت جناح برنسه.
بين الجاوي والبخور والرقصات الإباحية نسرد تفاصيل شعب تفننت فرنسا في تحطيمه خاصة عندما لغمت تلك الزوايا التي كانت قبل دخولها الجزائر منبرا للعلم وحفظ القرآن فأوغلتها بهذه الطقوس الملعونة التي سلبتها دورها التعليمي لتلقي بها في مرمى دور تهديمي في أغلبها وإن ظلّ بعضها على عهده للهدف الذي وجد لأجله.
يسرد الكاتب تفاصيل الحضرة وسط ذهول وانبهار الحضور وهو يندد بها، نافرا منها، رافضا لها، فهو ذو فكر واع وعقل متفتّح أنار له العلم طريق الخلاص وحدّد له معالم النجاة.
وهنا بالذات تحدث المفاجأة ويتدخل شيطان المرأة بإغوائها المتعمّد لإثارة غرائز شهوة الرجل ولإضعاف نفسه المستسلمة في غالب الأحيان لسلطان مفاتنها؛ حكاية بداية البشرية التي تتكرر في كلّ موعد تصرّ فيه الأنثى على استمالة الذكر كما نفهمها نحن البشر ونتمسكّ بتفسيرها على هذا المنحى مع أنّ القرآن يؤكدّ إغواء الشيطان لآدم وحواء معا في آن واحد.
لتنجح لؤلؤة الوريثة الشرعية لطقوس لالة زليخة المثيرة في استدراج عقل الطالب الجموح الذي عجزت هي على إيقاعه في شباكها، والذي كفر قبل قليل بها وبوالدتها، ليتحرك صراع الأنا والأنا الأعلى على وقع البندير ولؤلؤة الإبنة الفاتنة تمسكه من يده لترمي به بين أمواج مفاتنها مغرقة إياه في مستنقع الحضرة.
وهنا ينتصر شيطان المرأة، لابل شيطان الرذيلة، لا بل شيطان القبيلة، لا بل شيطان الجهل، الذي مكّن هذه المرأة وابنتها وشيخ القبّة الخضراء بشرهم الأسود من ولوج دشرة عذراء، نقية، بريئة، جميلة، ليحولوها في ليلة مقمرة إلى تحالف شيطاني كبير رمى العقل والمنطق والخلق بكلّ جوارحه على شفير الهاوية.
هي قراءتي لقصة وفق كاتبها إلى حد بعيد في رسم ملامحها سواء من ناحية الوصف أو السرد أو توظيف البديع والبيان، في أسلوب عفوي محققا غايته مبلّغا رسالته التي أراد من خلالها توقيع رؤيته كمثقف شبّ على تعاليم القرآن في بيئة محافظة، ذو أخلاق عالية على مظاهر دخيلة على مجتمع مسلم، ما يجعلني أنحني باحترام وأنا أبارك له هذا الإبداع كقارئة هاوية لا أكثر.

السابق
على شفير الهاوية
التالي
قراءة نقدية في نص “على شفير الهاوية”

اترك تعليقاً