قراءات

قراءة نقدية لـنص “رفض”

للقاص كامل التميمي.
نص القصة

رفض
يراهم يُجلدون كل ليلة بسياط من نار وقهر؛ تصبّروا فتفوزون.هكذا قيل لهم. وهكذا يتابعون ويفعلون ويقولون له… أدار ظهره، تركهم ينتظرون.

رابط القصة على مجلة قصيرة من هنا

قراءة سيميائية خطابية اجتماعيّة وفق رؤية بيير زيما النقديّة في قصّة “رفض” القصيرة جدّا لكامل التميمي.

(استنادًا إلى منهج غريماس التطبيقي وانطلاقًا منه، وإلى كرنفاليّة ميخائيل باختين، وتجاوزًا للقراءة الاجتماعية التعسّفيّة والإسقاطيّة).. القصّة: رفض يراهُم يُجلدون كلَّ ليلةٍ بسياطٍ من نارٍ وقهر؛ “تصبّروا فتفوزوا”.هكذا قيل لهم… وهكذا يتابعون، ويفعلون، ويقولون له… أدارَ ظهرَه… تركهم ينتظرون. ………… التناصّ الكرنفالي والفكاهة المرّة الموقف السوسيولغوي لكاتب النص: المؤوّل الدينامي يعيّن الكاتب بوصفه رجلًا عراقيًّا يعيش في أكثر المناطق سخونةً؛ بحيث يشهد أحداثًا أليمة مع ما يستتبع من مفاعيل للحروب المتكرّرة على النفوس من آثار سالبة جمّة. التناصّ في مستوى التلفّظ/ المتكلمون في النص: يُعثر على ثلاث لغات اجتماعية مُؤدْلَجَة/ السوسيولكت؛ وذلك رغم قِصَر النص السردي.. (واللغة الاجتماعيّة المختصّة بفئةٍ ما هي قائمة معجميّة مشفّرة/مرمّزة). اللغة الأولى هي لغة الجماعة المعيّنة في ضمير الغائب للجمع في الأفعال: يُجلدون، يتابعون، يفعلون، يقولون، ينتظرون، وتركهم، يراهم، تصبّروا، فتفوزوا، وفي المركّب “لهم”. لغتهم هي لغة المقهورين والمهمّشين والمظلومين. هي لغة الرضوخ للأمر الواقع والقبول والرضى والتسليم، وتاليًا، هي لغة امتثالية. اللغة الاجتماعية الثانية هي لغة منسوبة إلى مجهول، تتعيّن في ضمير الغياب في الفعل “قيلَ”. وفعل القول له نتائج عملانيّة/ براغماتيّة، فهو إذًا، فعل إيعازي صارم يصطبغ بقدسيّة ما لسلطة قاهرة. فهذه لغة متسيّدة ومتحكّمة بمسار الجموع. تبقى اللغة الثالثة لضمير الغياب “هو” (مستترًا أو ظاهرًا) المتعيّن في الألفاظ الآتية: يراهم، أدار، ظهره، له، تركهم. لغته لغة غير مكترثة بأفعال القول، ولامبالية بمشاهد الجَلد، وضرورة الانتظار. هي لغة رافضة للّغتين معًا ولمشاهد النار والقهر. لغة تتراوح بين انهزاميةٍ إنسانيّة، وسخريةٍ من مقولات السلطة/ سلطة الجماعة والتراث الفكري – الثقافي، تبتغي التغيير والتمرّد على ما اعتادته جماعته من سلوك إزاء ما يصيبها من مظالم. التناصّ في مستوى الملفوظات/ الأفعال: البرامج السرديّة للذوات الفاعلة تتبدّى في برنامجين رئيسَين متضادّن، لذات الجماعة، وذات الفرد. في البرنامج الأول، يتمثّل عامل موضوع الرغبة في امتلاك الفوز؛ والعامل المرسِل في الفعل الإيعازي للقول/ مقولات المنظومة الفكرية الثقافية، والدين هو جزء أساس في الثقافة. أما العامل المساعد فيتمثّل في الصبر والانتظار، والعامل المعاكس في محور القدرة لهذه الذات يتجلّى في أشكال العسف والقهر والإذلال وعذابات النار (بدِلالاتها كافّةً). العامل المرسَل إليه يتمثّل في ذات الحالة للجماعة في المستوى الإدراكي، غير أنّ لا فعلًا تغييريًّا يُذكر في البرنامج كي تنتقل الذات إلى المستوى البراغماتي؛ إذ إنّ أفعال الصبر والانتظار ومتابعة الانتظار هي أفعال سكونيّة لا حركيّة. ولا تكشف النهاية للمسعى عن حالة اتصال أو انفصال عن موضوع الرغبة، بدلالة الغيبيّة في الفوز/ أي الفوز برضى الخالق، والنعيم يوم الدينونة؛ وهذا لمّا يأتي بعد، إن أتى. بالمقابل، يظهر برنامج الذات المضادة للفرد؛ بحيث إنّ العامل المرسِل يبرز في الأنموذج السالب للامتثال لمزاعم السلَف متجسّدًا أمام هذه الذات في سلوك الجماعة الارتكاني؛ لكنّ، من المفترض أن يحمل هذا العامل المرسِل دلالة إيجابيّة تُلمح ضمنًا في مشاهد الثورات لدفع الظلم، والعمل على الدفاع عن الحرية والكرامة عبر طرق براغماتيّة، فهي التي كانت المحفّز لهذه الذات لخلق موضوع رغبتها في الرفض. يساعدها في مسعاها إيمانها بضرورة التغيير، أي عوامل ذاتيّة نفسيّة تحدّد إمكاناتها في التحدّي والمواجهة. ويعاكسها الموروث الثقافي للجماعة، والمستمر بماضيه، فاعلاَ في الحاضر من خلال معتقدات جماعته وسلوكاتها. حقّق العامل الذات المضادّة مسعاه في حالة اتّصال بموضوع رغبته، بأن أدار ظهره غير مبالٍ “بهم”. لكنّ النص لم يظهر أيضًا منحى براغماتيًّا لهذا الرفض، فبقي في المستوى الإدراكي. التناصّ الكرنفالي والثقافة الساخرة الشكّاكة: يظهر النص بلبلةً والتباسًا في موقف الجماعة والفرد على السواء. كاشفًا المرحلة المأسوية التي وصلت إليه الشعوب التي تعاني قهرًا، من أية جهة أتى. تُلمح السخرية على صعيدين: الصعيد الفردي لشخص تخطّى جماعته بعاداتها وموروثاتها الفكريّة، ساخرًا منها. وعلى المستوى العام؛ بحيث إنّ النص برمّته محاكاةٌ ساخرة لوضع قائم، يسخر من انهزاميّة الجماعة الممتثِلة لصرامة السلطة الفكريّة ، ولامبالاة الفرد الذي لا يقدّم البديل العَملاني، من خلال ما يخبرنا به النص، على أقلّ تقدير. تبقى الثقافة الساخرة هي الحل الأمثل في مثل هذا الوضع، السخرية من عبثيّة الأقدار، ومن تشيّؤ الإنسان، وجعل الجماعات قطعانًا، والفرد مستَلَبًا. كل ذلك بفعل الحرب وآثارها التشييئيّة التي تجعل الازدواج القيمي ماثلاً بقوّة. هذا الازدواج يُلمح في اجتماع الديني مع الدنيوي، والمقدّس مع المدنّس، السلبيّة والإيجابيّة معًا لفعلَي الصبر والانتظار، والنبيل مع الداعر، الإنساني مع الهمجي والوحشي… ويبقى الانتظار الذي هو فعل ترقّب وأمل بغد أكثر إشراقًا؛ فهل سيأتي الجنى والفوز بالكرامة الإنسانيّة على أرض الواقع، أستتحقّق العدالة الإلهيّة الموعودَة في الزمن المنشود؟!…. فلْننتظرْ، أو فَلْنَثُرْ.

السابق
ثورة
التالي
سقوط

اترك تعليقاً