ها هو كعادته ينهي نهاره بأن يبحث في قائمة موسيقاه عن نغم يأخذه حيث يريد. بينما كان ينتقل من ملف لآخر وجد إحدى المقطوعات التي طالما ذكرته بصوت حبيبته، غرق في مياه من الحنين زادتها دموع قلبه عمقا وملوحة، انتهت المقطوعة فأعادها من جديد، فعل ذلك مرات ومرات. رغم المزيف القابع داخله كانت تعلو وجهه ابتسامة تائهة، ذلك النوع من الابتسامات التي لا يلائمها إلا مشهد شيخ طاعن في السن يتصفح ألبوم صور قديما. بعد أن استفاق من حالة الغياب الصوفي الذي انتابته شعر بحاجة قاتلة لأن يرسل تلك المعزوفة إليها، الأمر الذي كان مستحيل الحصول فهو لا يستطيع إرسال شيء للموتى، سنوات ثلاث كانت المدة التي مرت على غيابها الأبدي، مدة لم تكن كافية لكي تموت كل بقايا روحها الموجودة بداخله. غمره حزن عميق لم يكن سببه استحالة تحقق رغبته، بل لأنه كان مرغما أن يعيش متعة تلك اللحظة وذلك النغم وحيدا. أغلق حاسوبه ونام، وبعد أن أغمض عينيه رأى وجه حبيبته وهي تقول له: شكرا!.