القصة القصيرة جدا

وصَارَ لهُ نَشَاطٌ مَشْهُودٌ

يعْتقدُ أنهُ انْتَهى بانْتِهَاء مَهَام الوَظِيفة، وَمَاتَ مِهنِيًّا وَلَمْ يَعُدْ لَهُ مَعْنَى.. يحْمَرُّ وجْهُه قليلا..يتجعّدُ..يَعُضّ على شَاربه الاسْفل بقوّة..كُلَّمَا رَأَى الرّفَاقَ يَمرُّونَ مِنْ حَوْلِه ولا يَلْتفِتون، يَسْتسْلم لليَأس، يُحاوِلُ أنْ يُجيبَ عن سُؤَالِها وهيّ تلومُه، دُونَ أنْ تمَلُّ مِنْ أسْئلتِها الحَائِرة البَائِرَة المُتْعَبَة،السيِّدة {زينب} كعَادَتِها تلوكُ الكلمَات، تكرِّرُها.. حَتّى تفِيض مُقلتاهُ بالدّمْع وهُو كظِيمٌ.. تقولُ لهُ مُعَاتِبَة: لقد شَكا مِنْك الْجدَارُ إلى الجدَار، حَتّى تَناثرَت حِجَارَةُ الجُدُرَان وتُرْبتُها، وأنْتَ تسْند ظهْرك إليْها مُلتَصقًا، أمَازلِت تُلازمُ المْكان مُنذ احَالتِك عَلى التقاعُد؟ فمَاذا تَنْتظرُمْنْ هَذهِ الْحَياة البَائِسَة يارُجُل..؟! وماذا تُفيدُك العُزْلة ؟ قال: ارْم ببَصَري كل يوْم بعيدًا..بعيدًا، لعلّيَ اضْفر بصَديق، لكنْ هيْهَات هيْهَات..البعْضُ ادَار الظهْر، والبعْضُ الاخَر اخْتفَى أورَحَل، قالت: ومَا حَاجتُك بمَنْ توارَى أوْ ارْتَحَل؟ انْت تجْلدُ ذَاتك بغيْر وَجْهِ حَق، فأنتَ الذِي اخْتفيْتَ ونأيْت، ياه.. شاذَجٌ أنْتَ فِي تفكِيرك – إي وَالله- إلى ابْعَدِ الحُدُود، مُخطئٌ في اخْتيارَاتِك وفِي تفْكيرك، اتدْري بأنّك اخْترْت الطريقَ الاقرْبَ إلَى الْمْقبَرَة؟ ماَذا تقُولِين ؟ أجَلْ..أنْتَ بضْعَة اذرُع مِنَ الْقبْر ليْسَ إلاّ، الموْتُ خيرٌ لك من ألحَيَاة، اوْغَرَت تِلك الكلمَاتُ صَدْرَهُ، فانْتبهَ فَزٍعًا مذعُورًا، يجْمعُ أشلاءَهُ وهُو يَقول:لم نعُدْ نَمْلك مُتّسعًا من الْحَياة، لننْتفعَ بلذِيذِ الْحَياَة، يا إلهي..كيف تَلاشَت الآيّامُ؟ وقد شبِعْتُ مِن الضيّاع والعُزْلة، لكِنْ لازلتُ أحْلمُ بالْحَيَاة، ضَحِكتْ حَتّى بانَتْ نوَاذِجُهَا وهَمَسَت إليْه: أيُّ حَياة هَذِه؟ لايهْزمُك إلا الخوْفُ من الموْتِ أيّها الشقيُّ، اسْتغْرَبَ كلامَهَا، وبَقِي فاغِرًا فمَهُ مِنَ الدّهْشَةِ كالمَصْدُومِ، يبْتسِمُ ابْتسَامَة خفِيفَة ويلتزمُ الصّمْت، ولم يَنْطِق بيبنت شَفَةٍ إلَى أنْ غَادَرَ البَيْت مُثخَنًا بالآهَاتِ،أدْرَكَ أنّهُ كانَ ضَائِعًا بالفِعْل، من يوْمِهَا اسْتَعَادَ عَافِيّتهُ، غَابَ عَنِ المَكَان، وصَار َلهُ نشاطٌ مشْهُودٌ.

السابق
إلى صُنَّاعُ فُرْسَانَ الأمَل
التالي
سفير في ورطة

اترك تعليقاً