أسرني الفراش..
صِبْيَة في الفناء يمرحون..
يضجّ بي الرّقاد فيتُوه خلفهم سمعي ينشد أُنسا..
تشدّني زقزقات قهقهاتهم..
أهمس لي:”ما أحوجني إلى نزّ ابتسام..”
يفترّ ثغري، يهطل عليّ طلّ انتشاء، أطربُ..
ثمّ تتناثر عليّ سياط وجعي فأنكفئ في قوقعتي القديمة لأغرق في أوحالي.
تتّسع طبلتاي، تمسيان مضخّمي صوت..
تعلو الأصوات أكثر فأكثر فأصيح فيهم:” أما من قَطْر هدوء به ترَطِّبون هواء غرفتي المحترق بلظى اعتلالي..؟”
وأهمس والحيرة تنخرني:”أما يَضيق صدر الأرض بقرقعة نعالنا ..؟”
تُمسي صياحاتهم همسا، وزقزقاتهم باتت تتناهى إليّ حفيفا..
لكنّ قرع الطّبول فيّ لا يني يزداد..
خطواتهم النّاعمة تخدش لحظات صمت مقتنصة من بلعوم العمر.
يضجّ النّمل الرّاقد في رأسي.
يغادر مستعمراته..
تستصرخني أوردتي..
أهمّ بهجر الفراش إليهم لأثخنهم تقريعا. أرفع بصري بحثا عن عكّازي فيقع على صورة صبيّ صغير يمتطي درّاجة ناريّة ويتوقّف بي الزّمن هناك..
أراني والصَّحبَ نجوب شوارع المدينة ، نفتضّ صمت صباحاتها، نمزّق حجب هَدْءات اِنْدَسّ في حضنها سكّان يلفّون آهاتهم في صدورهم ويتوقون إلى رفاهة قبو السّكون..
أراني أضع درّاجتي في الفناء، أشحن جهاز التّسجيل بأغاني الطّرب أو الجاز، أفسح المجال لأعلى درجات الصّوت تصدح في الدّار وتصدّع الأسماع وجدّتي المسكينة بين الفينة والأخرى تُمطرني بوابل نداءات مشروخة لا أدركها..
أراني وإخوتي يتحلّقون حولي، يتباهون بي، زمنَ القيلولة أعلّمهم قيادة الدّرّاجة وجعجعتها تعلو وتنخفض فتهبّ إلينا أمّي فزعة بنعلها المغوار مسلولا في وجوهنا فيتناثر إخوتي كحبّات مسبحة وتنتشر خطواتي في الحيّ مترنّمة بآخر زخّات سباب علقت بسمعي..
أندسّ في فراشي مكلوما بذاكرة..
تمتطيني عقارب النّدم والخجل،تُثخنني لسعا، تَرْكُنُني في أتون الوجع..
تتأجّج حرائقي..
تمتدّ يدي إلى مخزن الوقود..
أتناول جرعة مسكّن وأنام على آه تعتذر من جسدي المكدود..
تشتدّ عُتمتي..
أفتح عينيّ على ضيق وأنهار صمت بلا ذاكرة..
أُصيخ سمعا..
تتناهى إليّ آخر التّمتمات :” ارقُد بسلام..”
أضجّ بقيدي..
أنادي:” لا تذروني..خذوني إلى صخبكم..”
تَردُّدُ الصّدى جدرانٌ تهصر جسدي الذي بات بلا مدى..
أغرق في ذاك الهدوء..
أُدرك فجأة حكمةَ صبر الأرض على فوضانا..
كاتبة تونسيّة من مواليد 1974، متحصّلة على شهادة الأستاذيّة في اللّغة العربيّة وآدابها، لهاإصدارات قصصيّة ورقيّة في فنّ القصّة القصيرة، تحتفي بالبيان وشعريّة القصّ في منهجها القصصيّ، ناقدة تعتمد آليّات علم التّأويل في قراءاتها النّقديّة للنّصوص، كتاباتها منتثرة في المواقع الإلكترونيّة في الوطن العربي وفرنسا وفي جريدة التّآخي العراقيّة.