القصة القصيرة جدا

حذاء اوربي

أوصى المعلم عبدالرحيم عماله , بضرورة إتقان العمل , وحذرهم بأشد عبارات التحذير من أن يدوس أحدهم على السجاد الجديد النظيف.
نظر بعين الرضا والسرور إلى المصابيح والقناديل تتلألأ في الحديقة وعلى الأسوار, وتضفي على الجامع جواً من البهجة والوقار.
لقد جاد له بكل خبرته ومهارته , ليس هذا فحسب , بل قام بإنارة الحديقة الخلفية من جيبه الخاص, عسى أن يكون هذا شهيداً له يوم القصاص.
إنه ينتظر الشيخ ليوقع الفواتير .
هوشيخ علامة جليل , خطيب فقيه محدث خليل .
سمح الوجه واسع الصدر لبق باسم رصين .
هو الحافظ النابغة صاحب الحجج الدامغة , سيرته العطرة وضعته بين العظماء يجلس بين يديه أكابر العلماء.
توقفت سيارة فخمة أمام الجامع , نزل منها الشيخ وإجتاز بقامته الطويلة باب الحديقة.
عمامة ناصعة بيضاء , وجبة مثلها تلامس الأرض دون جفاء , وتخفي تحتها الحذاء.
هبط على عبدالرحيم ناموس الوجل والحياء لم يجرؤ على رفع نظره لأعلى من الحذاء.
أكتفى به ليحتفي وهو يراقبه يظهر ويختفي.
حذاء فاخر لايقدر على ثمنه سوى الأغنياء , جلده طبيعي أسود , هو بلا شك أجنبي مستورد.
طبعاً .. فقدما الشيخ الطاهرة لا يليق بهما أقل من هذه التحفة النادرة.
تسامت في نفسه مشاعره الرقيقة , والحذاء يتبختر بدلال على ممرالحديقة.
نعله لين هين عريض النطاق , ليلتصق بالأرض تمام الإلتصاق وينأى بلابسه عن خطر الأنزلاق , وهذا أهم مافي الموضوع , فلا قدر الله أن يتعرض الشيخ للزلل والوقوع.
حين بدأ الحذاء يصعد الدرج رقص قلبه وهرج ومرج .
أربتطه مطاطية تسمح للقدم التحرك بحرية , وجلده الفاخر لين مطواع , ينحني وينثني بكل إنصياع , خاصة عند أرتقاء الأدراج والسلالم , يدير القدم للميل الملائم.
فلا بأس على راكبه إن تعجل أو تمهل ولا يحرج بالنظر للأسفل .
حقا إنه الحذاء الملائم لكل أصحاب العمائم.
أنهى الحذاء صعود الدرج بكل أريحية , وهزت هيبته عبدالرحيم فأدى له التحية .
وقد سلب له عقله وشاغل مشاعره وأتعب قلبه.
سارحاً في تعداد مزاياه وفرائده متمنياً لو أمتلك مثله ولو فردة واحدة.
فجأة .. أختفى الحذاء !!. . لم يدري كيف وأين !!؟؟.
دارببصره بعيدا , لكن الحذاء كان يقف أمام قدميه العاريتين.
يا الله ما أجمله , ليته ولو للحظة واحدة ينتعله.
لكن ما هذا !!؟ .. هل نحن على الرصيف !!؟ .
إن هذا الحذاء يدوس على السجاد النظيف .
هذا أمر غير معقول !, ولابد من مبرر مقبوول !.
بكل تأكيد هو معذور .. حذاء أوربي جديد لم يتعلم بعد الأداب والأصول وربما هي المرة الأولى التي يدخل فيها مسجد.

السابق
جوع
التالي
بلبل

اترك تعليقاً