القصة القصيرة

عَوْدَةٌ مِنْ حَدَائِقِ الشَيْطَانِ

تدفقت عبرات على وجنات الأيام ، التي كانت بجمالها دِفْئا شادت به العجائز أيام كان الرجال رجالا يمنعون كل سوء، ويسعون للإحصان، ويدعون في سرهم وعلانيتهم، إلى
كل عظيم سمَا سُمُوَّ من كان لعظيم نورٍ مناديا .
طلع الفجر فصدح بالحقيقة التي باعدت أيادي الشر عن كل فطرة كانت أمْرًا ثابتا،يوشح جمال الطبيعة والإنسان الذي سُخِّرت له ،ما حملته في أفيائها ،كان زمردا ،بل لُجَيْنا تبَرَّأ من العبث الذي كان وثاقا شُدّ به الإنسان ،حين كان هناك ،وصار مدحوضا بين جنان الدنيا التي اختارها ،وتخلّى عن جنان ذلك المنتهى مذعنا .
بين هذا وذاك، جلس الشيخ بعد أن قام وصلى الصبح ،كانت بيده سبحة حين جلس يناجي ربه، ويسبح بحمده .
أيقظ زوجته التي كانت لا تزال تغط في النوم ،كان عادة ما لا يوقظها، إلا حين ينتهي من صلاته ، طلب منها أن تهيئ له طعام الفطور ،وتابع تحسس سبحته بأصابعه ،ثم أخذته سنة وهو على ذات الحال ،ثم قال :ما رأيك أن نشارك في قرعة الحج لهذه السنة ؟
ردت قائلة :لا أريد الذهاب، فأنا لازلت صغيرة، ولا أريد مناداتي “الحاجَّة “.
قال : ماذا تقولين أهذا هو عمق تفكيرك ؟
قالت : أنت شيخ ،ويليق بك أن ينادونك “الحاج” أما أنا فلا أريد ذلك ،وإن أَرَدْتَ المشاركة فأسرِع بتقديم الطلب .
قال: وددت لو تشاركيني فرحتي في كل خطوة أقوم بها ،لكنني ما ظننت رفضك لهذا الاقتراح .
قالت :قلت لك لا أريد الذهاب ،ولا تنس انك تكبرني بخمسة وعشرين سنة ،هل نسيت ؟ إذن لا تجبرني على تلبية رغبتك .
قال ما نسيت، ولكنني أريد لك الخير، فأنت زوجي وسكني ،ولا يعلم المرء هل يكون له شرف زيارة تلك البقاع إن أضاع فرصة أتيحت له يوما ما ؟
قالت سأفعل حين أكون راغبة في ذلك ؟
شارك الرجل في القرعة وتحقق أمله، وحصل على تأشيرة الذهاب .
حُدّد َموعد الرحلة ،وذهب إلى تلك الديار المقدسة ، ليؤدي المناسك .
وعند وصوله ،حاول الإتصال بها مرارا لكنها لا تجيب ، كانت منشغلة عنه بصديقاتها وزيارتهن ،لقد آن لها أن تفعل ما تشاء ،وتخرج متى تشاء ،كانت تقول إنها لا تجرؤ على طلب الخروج للراحة ،أو الاستجمام ،أو زيارة الصديقات وهو موجود ،لذلك فهي فرصة للخروج والمتعة والسهر ،كان هو في دنيا وهي في دنيا ،وتحقق سرّ هذه الدنيا الذي تُوِّج َ بصراع بين البقاء في ذلك المنتهى، والهبوط إلى هذا الدُّنو الذي ينزع من الإنسان ذلك التعالي والسمو ،ويدنسه بكل آسن ومريب .
بقيَت بين السهر واللّعب أياما بلياليها ،تركت كل أشغال بيتها، لاحقت السراب الذي تبطنه لها صديقاتها،كُنَّ يكرّرْن على مسمعها : هو يكبرك بكثير ،وهذا خطأ فعَلْتِه ، ومن الرجال من يوَدُّ أن يرعاك ويقبل يديك لتكوني له ،فعلا كانت طائشة تسمع كلامهن ،وتحن لتلك التهيؤات التي تراودها عن نفسها . بقيت في عبثها حتى وقعت في شركهن ،ونال منها ذلك الفارس المزيف الذي ذهبت إليه دونما تفكير في عاقبة الأمر .
في تلك الليلة الباردة، تزينت بأجمل الثياب والحلي ،وقالت له هَيْتَ لك ،فكان ما كان …..
خرجت من ذلك المكان والمنادي ينادي لصلاة الصبح ، وأصوات الديكة تصدح في سماء المكان ،ذلك الصباح ذكرها بطلوع الفجر وهي نائمة تنتظر أن يوقظها ذلك الصالح ،ذكرها بالسبحة ، وذكرها بكلماته التي تسمو في عالم الجمال والفطرة .
قالت في نفسها :هو بين يدي الله يَبِيتُ ،وأنا بِتُّ بين يدي شيطان آثم ، وصلَت إلى منزلها ،تسمّرَت في مكانها لما سمعت زوجها يناديها من غرفته، لقد عُدْتُ فعودي إلى ما كنت فيه ،فأنا “حاجّ “ولن تناسبني الا “حاجّة “،ومن رفض وجهتي، رفضت وجهته ،فعودي من حيث أتيتِ، ليظل السوء مع السوء، ويحُل الجمال ببيْت الجمال ، استيقظت مذعورة وهي تصيح بأعلى صوتها : لا !لا!لا ! قال لها : ما بك ؟ استعيدي بالله من الشيطان الرجيم ، وقومي للصلاة .

السابق
كلهم أطراف في اللعبة
التالي
خرائط الهاوية

اترك تعليقاً