القصة القصيرة جدا

احتراق

لم يأت إلى السرير مبكراً كعادته ، لم تسمع أنفاسه .. نهضت ، توجهت نحو مكتبه ، ضوء خافت يطارد صمت الجدران ، وجدته جالساً خلف مكتبه ، يتلاعب بالقلم بين أصابعه ، ينتظر ذوبان حبة الأسبرين في كأس الماء وهي تصارع الفناء .. والورقة البيضاء ما زالت تنتظر الكلمات ..
وقفت أمامه متصلبة كعود شجرة يابس ، نظر إليها بعمق ، بحدسها عرفت أن ظنوناً ملتوية تستفــــــز ذهنه ، تقاتل أفكاره .. هواجس مقلقة تستفز اللحظات دون أصوات ..
انتفض ، ارتعد جسمه تحت ملابسه ، غرز عينيه مرة أخرى في جسمها ، في لحمها ، في عينيها .. ود أن تقول شيئاً ، لكنه تصنع هدوءاً ماكراً فـرمى في وجهها كلاماً طائشاً وقال :
ــــ بدأت فئران الخلاء تتسلل إلى البيوت هذه الأيام بدون حياء ، تنتشي بالقلوب وتأكل الأجساد ..
ــــ كيف ؟ ماذا تقصد بكلامك ؟ توقف ، وانظر إلي !
مضغت الكلام ، انفجرت ضحكاً ، انتزعت ضحكاتها من سخـرية جارحة ، تهاوت على كرسي فاخر .. لوت رأسها بين ركبتيها .. اللحظة تخنق أنفاسها ، فتوزع قلبها بين البقاء والرحيل ..
رجعت إلى سريرها والظلام يغلفها، جلست على حافته .. أصاخت بأذنها، سمعت خشخشة أوراق ، انتفضت .. من وراء الباب سمعته يولد ممرات قاتلة بين القلب والوجدان ، بين الحياة والموت ..
فزعت ارتابت .. أطلت من النافذة ، تدلت برأسها نحو الأسفل ، لا أحد .. ضباب بارد يبلل أرضية الشارع الفضفاض ، قطط تائهة تتنازع على المكان .. أحست بسخونة تغزو كل جسمها ، فانهمـرت دموع دافئة تقرص حواشي جفنيها ..
فطنت بحـــركة خطواته تملأ المكان ، استدارت ..
ضغط على زر الكهرباء ، حدق فيها ، تيقـنت أنه يتلو تراتيل الموت في نفسه ، تراتيل صامتة تختزل الكلام ، رمى في وجهها ظرفاً مغلقاً بإحكام ..
ـــــ ما هذا ..؟
انسل في هدوء خارج البيت .. حاولت منعه واستبطاءه ، لكن غضبه كان أقوى من خطواته .. أطلت من النافذة مرة أخرى ،لا حركة ولا خشخشة .. أسندت ظهرها على الجدار وهي تنصت إلى نبضات قلبها . ارتج قلبها ، ومع ذلك خرجت مسرعة تلاحقه بكلمات تتلاشى في الفراغ ..
ثوان مرت ، رأت سيارتها تحترق على مهل ، و صورة عشيقها بين يديها يبتسم ….

السابق
في السنة العاشرة بعد المئة
التالي
حب طفولي

اترك تعليقاً