القصة القصيرة

الجزاء

كانت حلم حياته وعشقه المجنون ، ومنذ أن أقترن بها لم يعد أحد في ذاكرته غيرها ، وكلما مر يوم جديد زادت شعلة الحب ، أما هي فقد شاطرته هذا الحب دون تردد .
راحت تسترق السمع اليه وهو يحدثها عن خفقات قلبه التي لا تتوقف .
كانا يجلسان في حديقة الدار والليل الربيعي ينفث بسحره وبهائه من حولهما .
أي حب ! وأي عشق !
قالت له بدلال :
– أتعني أنه ليس من ثمة امرأة في حياتك من قبل ؟
وهو ينظر في عينيها باعجاب قال :
– لم أعرف الحب الا معك يا أجمل النساء .
– يا له من اطراء .
– صدقيني ما خفي في صدري أكبر ، وأن حياتي كلها كانت عقيمة جدباء قبل أن أعرفك .
– اني أصدقك .. وأعرف تماما حقيقة مشاعرك ، وأنا الأخرى أبادلك المشاعر وأنه لا غنى لي عنك .
النجوم في السماء يلمعن كالدرر ، والقمر في عليائه سابحا في رحلته الكونية يبهر الأبصار .
– أترين القمر ؟
– أراه .
– لقد سرق منك حسنك وبهاءك .
– أنت حالم أم شاعر ؟
– الحلم وحده لا يكفي ، أما الشعر فهو عاجز عن وصف محاسنك .
– كفاك أيها العاشق مدحا واطراءا .. ولنعد الى عشنا الدافيء ، ففي الجو لسعات برد أخشاها .
– سمعا وطاعة .
………………… ………………………… ……………………….
كأنما انشقت الأرض عن عفريت ليقابله وجها لوجه وهو عائد من عمله عصر ذلك النهار .
– من أرى ؟ أنت بلحمك ودمك .
بسط اليه يده مستبشرا وهو يأخذه في أحضانه .
– متى عدت من ديار الغربة ؟
– قبل يومين .
– ولم تأت لزيارتي أيها الماكر .
هو رفيق طفولة وصبا وشباب .. تبادلا الحب والمودة زمنا طويلا غير أن الأقدار دفعته للهجرة .
– قل لي يا هشام ما الذي دفعك الى العودة ؟
– عامان من الغربة مزقا كل الأحلام التي راودتني .. ضاقت بي نفسي وضاقت بي الدنيا من حولي ، الغربة يا عدنان وحش يفترسك ، هي ضياع وخوف وقهر ، مثلها كسفينة تائهة في عرض البحر لا يقر لها قرار .
– على كل حال سيكون لنا حديث طويل عندما تزورني في الدار .
——————– ——————– ——————
رحب عدنان بهشام ترحيبا حارا وهو يستقبله في داره .. كما جاءت سميرة تستقبل الضيف .
قال عدنان بابتسامته المعهودة :
– هاهي زوجني سميرة ترحب بك كما أرحب بك .
بسط اليها يده مصافحا وهو في ذهول من حسنها الجذاب قائلا :
– لقد اخترت فأحسنت الاختيار يا عدنان ..امرأتك حورية .
استحيت سميرة فانسحبت سريعا بعد ما شعرت بأن في كلامه رائحة غزل وهو يراها أول مرة ،
ومع ذلك فقد جلسوا ثلاثتهم على مائدة الطعام يتناولون عشاءهم .
قال عدنان مداعبا :
– آن الأوان يا هشام أن تتأهل وتبحث عن المرأة التي تسرك .
– وأين أجد هذه المرأة يا صديقي ؟
– لا تخلو المدينة منها .
– حسنا ابحث معي .. ولكن أريدها شبها بسميرة .
أطلقها عدنان ضحكة مدوية من غير أن يفطن ما يرمي اليه صاحبه قائلا :
– من جد وجد .
أما سميرة فقد غضت بصرها وهي تدرك ما يرمي اليه الرجل .
وحينما هم هشام بمغادرة الدار بعد جلسة سمر قال مودعا :
– أعترف بأني لم أذق في حياتي مثل هذا الطعام والفضل لسميرة التي صنعته .
………………………… ……………….. ………………………
هي امرأة ناضجة العقل كنضوج جسدها وحلاوة قسماتها ، وقد أدركت من أول لحظة أن هذا الرجل ينظر اليها النظرة المحرمة التي تتجاوز الرابطة المقدسة .
– أراك تنظرين الي النظرة المتسائلة .
– أجل ما صاحبك بأمين .
جمعهما السرير الواحد وهما يتحاوران ، وقد بدت سميرة كنمرة متوثبة .
– ما هذا الهراء .. أية أمانة عنها تتحدثين ؟
– غريزة المرأة لا تخطيء .
– انه سوء ظن .. لقد عرفت هشام منذ الطفولة ، انه أخي الذي لم تلده أمي .
– أنت لم تلحظ نظرته الي .. كان يريد أن يأكلني ، ألا تفهم ؟
– لا أريد أن أفهم .. ان ثقتي به عمياء .
– ألم تثر فيك كلماته التي كانت غزلا فاضحا .. ألم تثر فيك كبرياءك بل تجرحها ؟
– انه شك لا يصل الى درجة اليقين ، وهشام ليس الرجل الذي تظنيه.. هو مرح حقا وصاحب نكتة ولكنه أبيض القلب .
– حسنا أنا أحذرك منه كما أقول لك انني خائفة منه ومن جرأته .
– أنت على وهم .
– ربما .
…………………… …………………………. …………………………..
تكررت زيارات هشام الى الدار .. في أوقات متفاوتة ، وكأنما الدار داره ، وأحيانا بلا استئذان .
وعادت سميرة الى تحذير زوجها مما يفعله هشام في حضوره وفي غيابه ومن وراء ظهره الا أنه لم يلق لتحذيرها أذنا صاغية واكتفى بالقول كالعادة :
– أنت مخطئة فيما تذهبين اليه وأقول لك من جديد أنه أخي وأحسن الظن به كما أحسن الظن بك ، غير أن هزله أحيانا قد يغلب على جده .
– أقول لك أنه ينظر الي نظرة سوء وأنت تقول أنك تحسن الظن به ، انه يغازلني ألا تفهم ؟
– أنا أعرف عن هشام أكثر مما أعرفه عن نفسي ، ولا أتوقع منه يوما الغدر ، لا وألف لا .
– اذن أنت غير آبه بما أقول .. اذن أنت لا تريد أن أشكو اليك هواجسي .
ثم تابعت تناجي نفسها ( ستخسرني يا عدنان )
…………………….. …………………………… ……………………….
استجدت أحداث باتت تؤرقها ، ومع أن أزمتها لم تتعد هواجسها فان سميرة راحت تؤنب زوجها في داخلها فحسب .. حتى لم تعد تتبين صورته سوى أنه ظل خفيف في حياتها .. أي زوج هو ! الزوج الذي يتحفظ في أخطر مسألة تهدد عش الزوجية ، ما له يلوذ بالصمت وهو يرى ما يراه بأم عينيه ، أي شخص ضعيف هو بالمقارنة مع صاحبه ! صاحبه الذي لا يتوانى في حسم الموقف لصالحه وهو يخطو خطوات سريعة بكل جرأة واقتدار دون حرج ولا تردد ليخطف الثمرة التي راقت له .. يخطفها من فم صاحبه بل ينتزعها من أحضانه .
وهي باتت حائرة مضطربة أمام هذه اللعبة الخطرة .. أي عذاب وأي حيرة !
من المؤكد أنه بات واضحا أنها لم تعد سميرة التي كانت قبل عام ولا سميرة التي كانت قبل شهر، اذ هي تتلقى ضربات موجعة كل ليلة أمام هذا المشهد الذي هي تحت وطأته ، وها هي خائفة أيضا ألا يكون قلبها ملك يمينها أمام هذه العاصفة التي تجتاح عقلها وبدنها ، وراحت تهمس مع نفسها من جديد ( ستخسرني يا عدنان ) .
…………………….. …………………………….. …………………………
ذات يوم من أوائل الصيف رجع عدنان الى الدار قلم يجد سميرة ، بحث عنها في كل مكان ولكن بلا جدوى .. وانتظر حتى هبط المساء وحل الظلام غير أنه لا أثر لحضورها .
جاءته فكرة فأسرع الى دار هشام فلم يجد له أثرا هو الآخر .
بات ليلته على أحر من الجمر معذبا بائسا حزينا ، يقلب الفكر وتعود به الذاكرة الى أشياء لم تخطر له على خاطر من قبل .
لأول مرة منذ زمن ليست امرأته معه في حجرة واحدة وعلى سرير واحد .. لأول مرة يواجه اللوعة والفراق وربما الخيانة أيضا .. الخيانة ! أتراها خانته ! وصديقه بل أخوه أتراه هو الآخر خانه وغدر به !
في اليوم التالي تأكد لديه أن امرأته ضاعت منه وأن رائحة الخيانة والذل والعار راحت تفوح منها ومنه هو الآخر .. هو رفيق حياته ، يا لها من طعنة ! ويا له من جزاء !
هام على وجهه في أرجاء المدينة .. مثالا للتعاسة ، هل يصدق ما حدث ؟ أم أنه كابوس ليس غير؟
الآن .. الآن فحسب أحس بخطئه ، كم مرة هي حذرته من صاحبه ، كم مرة أعلنت شكواها ، غير أنه كان كجدار أصم لم يسمع ولم يكترث .
وهكذا ضاعت منه من كان يحمل لها أسمى آيات الحب والعشق .. ضاعت منه لأنه لم يعرف كيف يحافظ على من أحبها وعشقها ، وهكذا أيضا وقع في فخ حسن الظن فكان جزاؤه أن خسر كل شيء .

السابق
إجابة
التالي
انتفاضة

اترك تعليقاً